■ وقف رسول الله (ص) فى حجة الوداع بمنى، فجاءه رجل فقال: لم أشعر حلقت قبل أن أذبح.. فقال: اذبح ولا حرج.. وجاءه آخر فقال: لم أشعر نحرت قبل أن أرمى (أى الجمرات).. فقال: ارمِ ولا حرج.. فما سُئل الرسول عن شىء قدم ولا أخر يومها إلا قال: «افعل ولا حرج».
■ «افعل ولا حرج» شعار عظيم يُعد مقصداً من مقاصد الشريعة.. وغاية من غاياتها العظمى.
■ ورمز لليسر والتيسير فى الإسلام.. إنه رمز للرفق بالناس وعدم التشديد عليهم فى عباداتهم وفتاواهم وأحوالهم.
■ فهذا رسول الله أعظم الناس إيماناًً لا يريد أن يشدّد على الناس فى تقديم بعض المناسك أو تأخيرها.. ويهتف بهتاف التيسير على رعيته «افعل ولا حرج».. ولو اتخذ كل داعية وقائد ومفتٍ ومربٍّ من هذا القول الجامع شعاراًً له ودثاراًً لصلاح أمر المسلمين.
■ يا أحبتى: اختاروا الأيسر لأنفسكم وأسركم وأبنائكم وجماعاتكم ودولكم وشعبكم وأمتكم.. «فما خير رسول الله (ص) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.. فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه»، تدبروا هذا الحديث العظيم الصحيح وتأملوا كلمة «إلا اختار أيسرهما» كان يمكن أن يختار أشدهما أو أحوطهما أو أشقهما.. ولكنه اختار أيسرهما، شريطة ألا يكون فيه إثم أو مخالفة للشريعة.
■ افعل ولا حرج فى كل ما لم يأتِ به نص وما دامت فيه مصلحة لك أو لأسرتك أو أمتك أو دولتك.
■ افعل ولا حرج ما دام بعيداً عن الإثم والمنكر.. فالأصل فى الأشياء الإباحة سوى العبادات، لأن الأصل فيها الحظر.
■ لو أدرك الحجاج معانى اليسر فى الشريعة ما حدثت مشكلة واحدة فى الحج.. فهذه الفريضة العظيمة تجمع كل الجنسيات والألوان والأعراق ويجتمع فيها فى مكان واحد ضيّق قُرابة ستة ملايين مسلم، منهم المرأة الطفل والقوى والضعيف والحليم والغضوب ومن يفهم فى الإسلام ومن لا يعرف عنه شيئاً.
■ فكيف يعامل بعضهم بعضاً إلا كما كان يناديهم الرسول (ص) «السكينة السكينة».. وكيف لا يخاصم بعضهم بعضاً إلا إذا تركوا الجدال، وخاصة فى الشئون السياسية والانتماءات الأرضية الدنيوية والحزبية.. والتزموا قوله تعالى «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ».
■ فالجدال السياسى قد يُفسد الحج أكثر من إفساد الرفث أو الفسوق، لأن الأخيرتين يحذرهما الجميع.
■ كنت فى الحج منذ عدة سنوات فرأيت وفداً من حجاج إحدى الدول الأفريقية وقفوا صفاً يصلون خلف مقام إبراهيم مباشرة، مما أدى إلى قطع جزء من طريق الطواف حول الكعبة.. وأدى ذلك إلى أن يدوس بعض الطائفين بغير قصد على أحد المصلين أمام المقام.. فنشبت معركة كبيرة بالأيدى والنعال مع وصلات الشتائم.. مع أن أى مكان فى الحرم كله خلف المقام يؤدى الغرض دون مشاكل.
■ وتذكرت ساعتها ما حدث منذ أكثر من 15 عاماً حينما تزاحم الحجاج الذاهبون والعائدون من رمى الجمرات فوقع كثير من الحجاج تحت الأقدام ومات فى هذه المأساة قرابة 600 حاج.. وكل ذلك نتج عن تمسك بعض الفقهاء بفتوى قديمة تقول بعدم جواز رمى الجمرات ليلاً، وأنها ترمى بعد الزوال (أى الظهر) وحتى المغرب، وهذا وقت قصير، خصوصاً فى الشتاء، ويتزاحم فيه ملايين الحجاج فى وقت ومكان واحد فتضيق الصدور وتحدث الكوارث.. وساعتها فقط تذكر الجميع فقه الأزهر المتجدد، الذى كان يبيح منذ فترة رمى الجمرات ليلاً.
■ إن فتوى الرمى ليلاً قال بها كثير من السلف.. ولكن المشكلة كانت فينا نحن أننا نميل إلى التشديد أو الأخذ بالأشق والأحوط رغم مخالفة ذلك لهدى النبى العظيم (ص) الذى كان يهتف دائماً «يسّروا ولا تعسروا».