اللواء يحيى السنجق: أسقطنا طائرات الفانتوم بـ«كمائن» الدفاع الجوى

كتب: عبدالفتاح فرج ومحمد على زيدان

اللواء يحيى السنجق: أسقطنا طائرات الفانتوم بـ«كمائن» الدفاع الجوى

اللواء يحيى السنجق: أسقطنا طائرات الفانتوم بـ«كمائن» الدفاع الجوى

على الرغم من مرور أكثر من 40 عاما على انتصار حرب أكتوبر 1973، فإن اللواء يحيى السنجق، أحد أبطال سلاح الدفاع الجوى، ما زال يتذكر كل تفاصيل معركة الكرامة، يحكى عنها بحب واشتياق، يحن إلى تلك الذكريات ويتحدث عنها بفخر، لم تفلح سنوات عمره التى قاربت على السبعين فى محو وسامة وجهه المربع، وشعره المسترسل، يبدو الرجل شابا، يرتدى ثيابا أنيقة، يجلس على كرسى وثير فى قاعة كبار الزوار بمبنى بانوراما حرب أكتوبر فى مدينة نصر، يتحدث اللواء السابق بهدوء وثبات بالغ، ما إن تسأله عن يومياته قبل حرب أكتوبر وذكرياته أثناء الحرب، حتى ينظر فى الفراغ ويميل ظهره للخلف ويصمت للحظات، محاولا تذكر ما جرى، وما حدث، ثم تندفع الكلمات من فمه بوضوح كامل، وبدقة شديدة، كأن الحرب وقعت أمس، قائلا: «بعد الهزيمة مباشرة دخلنا فى حرب الاستنزاف ضد العدو الصهيونى، ونصبنا كمائن ضد طائراته الحديثة من طراز الفانتوم، والميراج، من خلال المواقع التبادلية»، يبتسم ويكمل حديثه: «كنا نضرب الطائرات الإسرائيلية بصواريخ الدفاع الجوى فجأة، ونسقط الطائرات ثم ننسحب منه بسرعة إلى موقع تبادلى آخر، وعندما كانت تأتى طائرات أخرى لقصف موقع الكتيبة التى أطلق منها الصاروخ، لا تجد به شيئا فنستهدفها بنفس الكتيبة من مكان آخر، وبسرعة نخلى الموقع إلى مكان ثالث لتكرار ذلك، رغم ثقل معدات كتيبة الدفاع الجوى، فالصاروخ سام 2 وسام 3 كان يبلغ طوله حوالى 12 متراً، وكنا نحمله فوق شاحنة ضخمة، إضافة إلى حجم القاذف الكبير، كتيبة الدفاع الجوى الواحدة تتكون من 6 قاذفات، و6 صواريخ، فضلا عن مراكز القيادة وتحديد الهدف، وبفضل التدريب والروح المعنوية المرتفعة كنا نتحرك ونشتبك ونخلى فى ربع الزمن الروسى المحدد لذلك، كانت المقاولون العرب تبنى لنا مواقع تبادلية بطول خط الجبهة، على بعد 15 كيلو من قناة السويس، وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تسقط فى خليج السويس، وكنا نبلغ وزير الحربية الفريق محمد فوزى بالطائرات التى نتأكد من سقوطها فقط، عن طريق أسر الطيار أو الحصول على حطام الطائرة وكان يقول لقائد الدفاع الجوى «أنا نفسى أنشف خليج السويس عشان أعد الطيارات اللى انتوا وقعتوها». يتوقف قليلا عن الحديث، ثم يعتدل فى جلسته، ويتذكر ملحمة إنشاء حائط الصواريخ، الذى استشهد من أجله عدد كبير من العسكريين والمدنيين بشركة المقاولون العرب، ويقول «إسرائيل كانت تستهدف مواقع إطلاق الصواريخ بقسوة لأنها كانت تعلم أن حائط الصواريخ سيوقف تفوقها الجوى وسيعرض طائراتها للخطر، انتقلنا إلى قناة السويس بالتدريج، بعد أن وضعنا خطة محكمة لإنشاء حائط الصواريخ، بدأناه على مسافة بعيدة من القناة تزيد على 60 كيلو مترا ووضعنا قدما على الطريق، لم نحرك الثانية نحو القناة إلا بعد ثبات الأولى وبعد تأكدنا من أنها ستحمى الخط الأول، وهكذا تقدمنا إلى القناة بالتدريج حتى اقتربنا منها جدا قبل نهاية عام 1970، ومنعنا ذراع إسرائيل الطولى من التحليق فى العمق المصرى واستهداف المنشآت به، كما حدث فى مدرسة بحر البقر وغيرها». يضيف بطل حرب أكتوبر أن منظومة الدفاع الجوى مرتبطة بعدة عوامل عند الاشتباك مع العدو، مثل درجة الحرارة والرطوبة واتجاه الرياح وسرعة الطائرة ومستوى ارتفاعها، وأن التصدى للطائرات التى تطير على مستوى منخفض يختلف عن مواجهتها وهى مرتفعة، يوضح اللواء يحيى السنجق أن الدفاع الجوى ينقسم إلى جزءين، الأول الكتائب الثابتة والتى تحمى المنشآت الحيوية والاقتصادية بالدولة باستمرار، وحجمها ضخم جدا وصواريخها غالبا تكون من طراز سام 2 وسام 3، والثانى: المتحركة التى تتحرك مع القوات البرية لتوفير الغطاء الجوى لها بالاشتراك مع القوات الجوية، وحجمها أقل وتكون غالبا من طراز سام 6 وسام 7. يواصل بطل حرب أكتوبر حديثه، قائلا: «فى الحرب حقق الدفاع الجوى عنصر المفاجأة للعدو، بكثافة نيرانه وصواريخه، حتى استطاعت مصر إسقاط أكثر من 100 طائرة، حسب كلام المحللين العسكريين الإسرائيليين أنفسهم، ومن الأمور العجيبة وغير المتوقعة أننا كنا نواجه طائرات الفانتوم والميراج بطائرات الميج 15، وكانت الميج تسقطها وهذا شىء مذهل. تتغير ملامح وجه اللواء يحيى، ليستكمل حديثه بنبرة حزينة قائلا «بعد هزيمة 67، وأنا لا أحب أن أطلق عليها «نكسة» كما يسميها البعض، كنا نشعر بـ«الكسوف»، لم نشترك فى القتال بقواتنا الحقيقية، وفوجئنا بالهزيمة، نحن من شارك فى الهزيمة الأولى والاستنزاف وحرب الانتصار». يتابع «قبل وقوع الحرب بأيام شعرت بأن شيئا ما سيحدث بحكم عملى اللصيق بقائد الدفاع الجوى، لكننى لم أستطع سؤاله عن موعد الحرب وأنا رجل عسكرى، ولابد أن أحترم السرية، كما أن طرد الخبراء الروس كان مؤشراً قوياً على أن شيئا ما سيحدث، ولا ننكر دور الخبراء الروس فى معاونتنا بحرب الاستنزاف، سواء فى القوات الجوية والدفاع الجوى، لكن السادات وضع مبدأ احترمته فيهو بعد أن قال: محدش هيحارب لى، أنا هحارب لنفسى، وأشرف لنا أن نقوم بالمعركة بنفسنا وأن نستشهد فى سبيل وطننا»، كذلك لا نستطيع إغفال دور الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، الذى أعاد بناء القوات المسلحة المصرية، وكنت أحضر لقاءاته أثناء مناقشة القادة لإعادة بناء الجيش «كان بيقعد فى المناقشات وغرف العمليات من 6 الصبح إلى ما بعد منتصف الليل، رحمة الله على الزعيم وعلى كل شهداء أكتوبر».