الحلقة (12) من "عمر" .. الطمع في غنائم الدنيا يفقد المسلمين حمزة بغزوة أحد
بدأت الحلقة الثانية عشرة باستعراض لأسرى بدر، فيما بدأت قريش تفكر في الثأر من محمد وصحبه، وكان يتزعمهم في هذا الاتجاه صفوان بن أمية، وأبو سفيان الذي صار زعيما للقوم.
وراحت نساء مكة تبكين الموتى، وبالتحديد هند بنت عتبة، التي قتل أبوها وأخوها وعمها في غزوة بدر، وراحت تقول:"ويل لمحمد ما فعل بهم. من يشفي غليل هند. على عتبة بن ربيعة فلتنوح النساء. غريمي هو حمزة. لئن ظفرت به لأشقن بطنه، ثم الوكن كبده فما يشفي غليلي غير ذلك.
واتفق عمير بن وهب، مع صفوان بن أمية على أن يذهب عمير إلى محمد في المدينة، ويخادعه ويضربه بسيف مسموم فيقضي عليه، على أن يقوم صفوان بتسديد ما عليه من ديون، ورعاية أبنائه.
وذهب عمير، وطلب الإذن للدخول على الرسول فدخل. لكن عمر حذر المسلمين أن يأخذوا حذرهم منه؛ لأنه مكار وأنه كان. فدخل وما لبث أن عاد إلى مكة، ففرح صفوان بمقدمه، وانتظر سماع الخبر منه، إلا أنه أبلغه أنه أسلم، فسأله صفوان ولم؟ فقال:"والله أنه لنبي فلقد أخبرني بما دار بيننا من حديث". وراح عمير يدعو مكة للإيمان بمحمد لكن أحدا لم يستجب له.
وجمع صفوان، جمع كبار القوم، أمثال عكرمة بن أبي جهل، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأخذ يقول فيهم: يا أبا سفيان، قد بت سيد قريش وسيدها، ولقد علمت ما طابت لنا حياة بعد بدر، وإن مضت الأيام على ذلك ولم نثأر لقتلانا ذهبت هيبتنا عند العرب، وظنوا بنا خورًا وعجزا، فلم يبق بيهم حي إلا طمع بنا وتجرأ علينا فما قولك".
فخرجت هند عليهم، وقالت:"أو في هذا قول، فإن لم تخرجوا لثأركم فتجمروا تجمر النساء، واقعدوا قعودهن والتمسوا لأنفسكم فرشا غير فروش نسائكم. فوالله لئن أدبرتم عن محمدا لندبرن عنكم". ثم أضافت قولتها الشهيرة:"نحن بنات طارق. نمشي على النمارق. إن تقبلوا نعانق. أو تدبروا نفارق، فراق غير وامق".
واتفق ابن أخ طعيمة بن عدي مع وحشي (حيث عرف عنه إجادته للرمي بالرمح) على أن يتولى قتل حمزة، مقابل أن ينال حريته، كما وعدته هند بأن تعطيه كل مصاغها من أجل أن يشفي غليلها من حمزة، فوقع الخبر على وحشي كالماء البارد، فاهو حلمه في الحرية اقترب، وما هي إلا طعنة برمحه، وأفصح لمرافقته "تدعى ريحانة" أنه لا يهمه في المعركة سوى حمزة، وأنه لا يكرهه إلا أنه صار سببا لحريته".
وبدأت الغزوة الثانية في الإسلام، وأجاد المسلمون بأن وضعوا على جبل أحد مجموعة من الرماة، وما إن أقبل المشركون، حتى رموهم الرماة بسهامهم، فوقع فيهم قتلى كثر، فتراجعوا وتراجعوا، وراحت هند تحثهم على ألا يفروا وراحت تكرر ما قالته:"إن تقبلوا نعانق. أو تدبروا نفارق، فراق غير وامق".
وما إن لمح الرماة، تقهقر المشركين وتركهم لإبلهم ومتاعهم، حتى صاح الكثير منهم الغنائم الغنائم، ونزلوا من على الجبل، مخالفة لأمر النبي الذي أمرهم ألا يتركوا قمة الجبل ابدا، ولم يبقَ إلا القليل منهم.
وما إن لمح الداهية خالد بن الوليد، نزول الرماة، حتى استدار وصعد من أعلى الجبل، هو ومعه مجموعة من الفرسان، وراحوا يقتلون في المسلمين، الواحد تلو الآخر.
كان وحشي منشغلا طوال المعركة، بتحركات حمزة، يلاحظه وهو يحصد رقاب المشركين، وها هي اللحظة تحين، حتى أشهر رمحه في غفلة من حمزة، ورماه بشدة، ليخترق بطن حمزة، ويقع شهيدا، وصاح فرحا مات حمزة مات حمزة، وكان لهذا أثره على المشركين الذين صاحوا فرحا، واشتد ساعدهم وراحوا يقتلون ويقتلون، حتى نادى أبوبكر ، يا معشر المسلمين احموا رسول الله . احموا رسول الله، ودافعوا عنه بأجسادهم، حتى استطاعوا إنقاذه.
كانت هند تتابع الموقف عن كسب، حتى راحت تبحث في جثث المسلمين، ووصلت إلى حمزة، ولما قتل وحشي حمزة جاءت هند إلى حمزة وقد فارق الحياة، فشقت بطنه ونزعت كبده، ومضغتها ثم لفظتها، ثم علت صخرة وأخذت تردد:
نحـن جزيناكم بيـوم بـدر والحرب بعد الحرب ذات سعرِ
ما كان عن عتبة لي من صبرِ ولا أخي وعمـه وبكـري
شفيت نفسي وقـضيت نذري شفيت وحشيّ غليل صدري
فشكر وحشي عَلَيَّ عُمْـرٍي حتى ترمّ أعظمي في قبري