حكاوي العراب| «مثل إيكاروس».. الموت أفضل من المعرفة
مثل إيكاروس
لا تقترب من الحقيقة، لا تحاول أن تدنو منها، لا تعرف أكثر مما ينبغي، تلك الجمل لم يحاول «محمود السمنودي» أن يصغ إليها، أو ربما سمعها ولم يدرك معناها إلا عندما اقترب أكثر، وكان الآوان فات على العودة.
أساطير الحب والجمال عند الإغريق، أدركت خطورة المعرفة أكثر مما ينبغي، فهي تحكي عن «إيكاروس» الذي كان محتجزًا وأباه في متاهة جزيرة «كريت»، واستعان الاثنان بأجنحة ثبتاها على ظهريهما بالشمع، ونجحت الحيلة واستطاعا الطيران، غير أن «إيكاروس» تجاهل نصيحة والده بعدم الاقتراب من الشمس، التي تمثل الحقيقة المطلقة، فظل يحلق حتى أذابت الأشعة الشمع المثبت لأجنحته.
على مدار حياته التي امتدت إلى عام 2020، كانت السنوات التي عاشها «السمنودي» ممتلئة بالتناقضات، غير أن لا أحد يعرف على وجه الدقة، كيف أصبح فتى قروي يدرس في كلية الحقوق بالعاصمة القاهرة، يعرف كل شيء، يفتح الجرائد فيرسم الدوائر على أخبار الوفيات، والحوادث الطبيعية التي توقع حدوثها بالفعل.
أزمة «السمنودي» التي كتبها العراب في رواية تجاوزت الـ300 صفحة، هي أنه اطلع على «السجلات الأكاشية» تلك السجلات التي كان يعتقد القدماء أنها تحتوي على كل شيء، كل المعلومات عنك وكل ما حدث وما سيحدث موجود في هذه السجلات، ولم يخطر بباله أن يحوي الكون كل هذه القسوة.
«شخصية محمود لم تكن من الطراز الذي يتزوج، وقد خلق ليموت وحيدًا ككلب عقور، لكنه في الواقع تزوج».. هكذا رسم أحمد خالد توفيق شخصيته في روايته «مثل إيكاروس» والتي فازت بجائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة عام 2016، وعلى طريقته المفضلة دائمًا في أبطاله، لا شيء مميز في «السمنودي» قليل الكلام، سيء الرائحة، كاره الحياة، يدندن أغنية لا يعرفها أحد سواه.
4 انطباعات لابد أن تلاحظها على «السمنودي» عند رؤيته للمرة الأولى، بخلاف ثيابته المهندمة التي لم يغيرها منذ فترة، ورائحة العرق التي تخفي جسدًا لم يرى الماء من فترة طويلة، وفق ما يروي طبيبه النفسي، الأول هو الذعر هذا الرجل يموت رعبا، والثاني هو الاشمئزاز، فهو مشمئز كأنه التهم فضلات بشرية، والانطباع الثالث هو القنوط، فهو يائس كأن السكين على وريده الوادجي هو مقيد، أما آخر انطباع فهو الضياع، نفس نظرة الأطفال الذين يجدونهم في المولد وقد أضاعوا أهلهم.