بعد «دلجا» و«كرداسة».. «الصف» معركة التطهير القادمة
![بعد «دلجا» و«كرداسة».. «الصف» معركة التطهير القادمة](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/155341_660_4181686_opt.jpg)
دقائق الانتظار تطول لساعات، سائق الميكروباص يأبى التحرك قبل أن تمتلئ سيارته بالزبائن، أسندت سيدة مسنة رأسها إلى نافذة السيارة وراحت فى سبات عميق، فى حين وضع أحدهم شنطة بلاستيكية على مقعد فى الميكروباص ليحجزه، ونزل يتجول فى المكان طرداً للملل، فيما وقف شاب على رصيف مجاور يدخن السجائر الواحدة تلو الأخرى، وآخر ذهب إلى عربة «كبدة وسجق» فى الجوار ليتناول وجبة سريعة لعلها تهون عليه وقته. عربات موقف المنيب تتحرك من حولهم، الزبائن يأتون من كل حدب وصوب إلى السيارات الأخرى، لكن راغبى الذهاب إلى مركز «الصف» قليلون للغاية، تقترب أسرة مكونة من أربعة أفراد من الميكروباص، يرمقهم الجالسون بالداخل بأمل كبير، يحبسون أنفاسهم داعين الله بقلوبهم أن يكونوا شركاءهم فى الرحلة لتنتهى معاناتهم مع إلحاح المتسولين والباعة الجائلين، يقترب السائق من رب الأسرة قبل وصولهم لسيارته يسأله عن قبلتهم، وبعد تأكده من فوزه بهم يطلب من الزبائن العودة لمقاعدهم، فقد حان موعد التحرك. [SecondImage]
انطلقت السيارة لينطلق معها النقاش الذى لا يخلو من الطابع السياسى، يلوم أحد الركاب السائق على الانتظار الذى طال: «لو كنت رحت ركبت من حلوان كان زمانى وصلت». سكان الصف يعانون عدم وجود العديد من البدائل؛ فطريقان فقط هما وجهة من يريد التحرك من المدينة وإليها، إما من المنيب وإما من حلوان، اعتقد الرجل الخمسينى أن الحال من موقف حلوان -الذى يبعد عن الصف 30 كيلومتراً فقط- قد يكون أفضل من ساعات انتظاره التى قضاها، يلتفت السائق غير مبالٍ بسرعته الجنونية لينظر مَن صاحب تلك الجملة، يعتدل فى جلسته مرة أخرى، ويخفض صوت «الكاسيت» بأغانيه الشعبية، يتطلع إليه الركاب فى ترقب خوفاً من حدوث مشادة بينه وبين الرجل، يرد بصوت عالٍ: «هو فيه حد بيسعى لوقف حاله؟ روح حلوان ولو لقيت الوضع هناك أحسن من هنا أبقى أنا كداب، روحوا حلوا مشاكل منطقتكم الأول وبعدين تعالى اتكلم، مش كفاية المشوار بييجى علينا بخسارة وبقينا نضطر ندفع إتاوات للعربان، كمان الزباين مش عاجبها»، يستمر السائق فى حديثه، ينظر الرجل الذى كان سبباً فى فتح الحوار من النافذة وكأن الكلام لا يعنيه، ينهى السائق حديثه بالدعاء على الإخوان ومظاهراتهم و«مرسى» الذى كان سبباً فيما وصل إليه البلد الآن، يعيد تشغيل «الكاسيت» مرة أخرى، يقلب بين الأغانى باحثاً عن أغنية «تسلم الأيادى»، وعندما يجدها يرفع صوت المذياع إلى أعلى درجة، غير مبالٍ بوجود أطفال قد تتأذى آذانهم الصغيرة، وكأنه يكيد أى إخوانى قد يكون بين الراكبين. [FirstQuote]
بعد ساعة ونصف الساعة، تظهر فى الأفق لافتة ترحيب «أهلا بكم فى مدينة الصف»، عندها فقط يتغير حال الطريق، بعد أن بدا طوال الوقت واسعاً بحاراته الأربع يميناً ويساراً يفصلهما رصيف فى المنتصف، يتحول إلى حارتين فقط للسيارات، يتجمع الذاهب والقادم فى جانب واحد، الطريق فى الناحية الأخرى غير ممهد لدرجة وجود حفر عميقة به، ومواسير ضخمة ملقاة فى منتصفه، وبطبيعة الحال لم يقلل السائق من سرعته الجنونية رغم مروره فى طريق ضيق وبجواره عربات لورى قادمة من الصف فى طريقها إلى الجيزة، تظهر على الجانبين أراضٍ زراعية، وترعة يعبرها السائق فى طريقه إلى الموقف، يطلب بعض الزبائن النزول بجوار الترعة؛ حيث يوجد موقف «توك توك» هو الوحيد القادر على دخول الطرق الضيقة بين الزراعات، دقائق ويختفى المشهد الأخضر وتظهر بنايات حديثة وعمارات عالية؛ فمدينة الصف تجمع بين طابع الريف والمدينة فى آن واحد، يصل السائق إلى شارع المركز، الطريق الوحيد المؤدى إلى موقف الصف، على اليمين وقبل دخول الموقف بدقائق تظهر ثلاثة مبانٍ محترقة تماماً، آثار الدمار واضحة عليها، لكنها لم تخفِ ملامح لافتاتها: «مجلس مدينة الصف ومركز خدمة المواطنين»، وبجواره الإسعاف، وثالثهما مركز الشرطة. [ThirdImage]
دقات الساعة تشير إلى الواحدة والربع، ينزل بعض الركاب مسرعين إلى الجامع المجاور للموقف لعل صلاة الجمعة لم تنتهِ بعدُ، لحظات ويخرج المصلون بعد انتهاء الصلاة، عددهم ليس بكثير، يقف بعض سائقى التوك توك بالجوار، ينتظرون زبائنهم من المصلين، يجلس تاجر فاكهة يترقب المارين بجواره لعله يحصل على نصيبه من الزبائن هو الآخر، لم يتردد عليه سوى رجل واحد فقط، يعاود الجلوس على كرسيه مرة أخرى، ينظر إلى فاكهته التى لم يبع منها الكثير بحزن شديد، يتحدث عن «وقف الحال» الذى أصبح سمة العاملين بالصف فيقول: «مكان لا فيه جيش ولا شرطة، مستنى منه إيه؟ الناس خايفة تخرج من بيوتها، خصوصاً يوم الجمعة بسبب مظاهرات الإخوان، كل مظاهرة تنتهى باشتباكات بين الإخوان والأهالى، خصوصا لما يرفعوا يفط بتشتم الجيش والسيسى، والناس هنا غلابة من ساعة حرق المركز والإسعاف ومجلس المدينة يوم 30 يونيو والكل وقف حاله، مش كفاية إنى ما بقدرش أسيب فرشتى؟ لأن لو حد سرقنى مش هلاقى حد يجيب لى حقى، حتى لو مسكت الحرامى، وكفاية اللى بنشوفه كل يوم من تثبيت العربيات الملاكى قدام عينينا وما بنقدرش نتكلم لييجى الدور علينا».
لم يتوقف «أبوحسن»، تاجر الفاكهة، عن حديثه وشكواه من غياب الأمن فقط، بل إنه استرسل فى الحديث، مؤكداً أنهم يعرفون جيداً من أين يأتى المسلحون «الناس فاكرة إن الصف كلها سلاح وعصابات، سمعتنا برّه المركز عارفينها كويس، لكن للأسف السبب فى ده هو بعض العائلات فى قرى العرب وقرية أسكر، التى تبعد ما يقرب من 3 كيلومترات عن مدينة الصف، لكن هنا كلنا ناس غلابة اتفرض علينا حظر من نوع خاص رغم عدم تطبيق حظر تجول بالمنطقة لغياب الشرطة أو الجيش، ولكن الخوف من السرقات والبلطجة يجبرنا على إغلاق محلاتنا مبكرا أو السهر بجوار البضائع فى جماعات كبيرة إذا احتاج الأمر».[SecondQuote]
يقترب أحد الزبائن من «أبوحسن»، ينصت لكلماته ثم يبدأ فى مقاطعته وهو يشير إلى جبل بعيد يظهر على مرمى البصر، يقول: «أنا اسمى أبوخالد وعايز أقول رأيى، الصف مشكلتها فى الجبال، منها بييجى البلطجية والمسلحين، ولو الجيش جه إحنا هنقوله على أماكنهم وهنساعده بس ينقذنا من الانفلات الأمنى اللى عايشينه ليل نهار، أنا عندى 3 أولاد من يوم ما بدأت الدراسة بوصلهم بنفسى رايح جاى، خايف حد يتعرض لهم، خصوصاً لما حصلت مشكلة من يومين فى مدرسة الأقواز واتخانق بعض الطلبة الإخوان مع طلبة شغلوا أغنية تسلم الأيادى، وطبعاً مكان بلا جيش أو شرطة بيكون خراب؛ لأننا من غيرهم مالناش لازمة، وما حدش فينا معاه سلاح يحمى به نفسه أو عيلته زى العربان».
المرور فى شوارع الصف ليس سهلاً؛ فالمكان ينقصه العديد من الخدمات، أعمدة الإنارة بعضها ممدد على الأرض، والطريق غير ممهد يتحرك فيه التوك توك بصعوبة، ومحلات أغلبها مغلق قد تختلف أسباب غلقها، وفقاً لرواية «محمد»، سائق توك توك: «فيه ناس قافلة عشان النهارده الجمعة والقلق بيكون فى كل مظاهرة، وناس بتاخد أجازتها الجمعة أصلاً، ما تقدريش تفرقى بين الاتنين، فى النهاية البلد كأنها فى أجازة إجبارى، وأنا اتوقف حالى مش قادر أكمل قسط التوك توك؛ لأن مفيش زباين، الناس بتنام من المغرب بعد ما كانت البلد بتسهر للفجر».
وسط المحلات المغلقة تفتح إحدى الصيدليات أبوابها، يقف بداخلها الصيدلى وسط أرفف شبه فارغة، يكاد العابر يعرف طبيعة المحل من اللافتة فقط، يجلس الدكتور خالد محمد يحكى مأساته اليومية: «عمرك شفتى صيدلية بدون أدوية؟ أنا صيدلى ما عنديش لا أدوية ضغط ولا سكر ولا قلب ولا أطفال، عربات توزيع الأدوية بدورها لم تعد تأتى هنا إلا كل فترة كبيرة، الكل خايف من التثبيت والسرقات، ما حدش مصدق إن مركز الصف فيه 30 قرية وكفر منهم 2 أو 3 بس هما اللى فيهم القلق، صحيح إننا بنعانى الانفلات الأمنى منذ حرق القسم، لكن المفروض إننا ع الخريطة، وكلنا بنحترم الجيش والشرطة مش زى المظاهرات اللى بتخرج تشتمهم، لما سمعنا عن عملية كرداسة قلنا يا رب هانت إمتى ييجى الدور علينا؟ ولما قرينا فى الصحف وبعض المواقع إن هناك استعدادات لاقتحام الصف، قلنا إحنا أول ناس هيساعدوا الجيش وننفذ كلامهم بالحرف، المهم يكون فيه سيطرة على المكان، وأول نصيحة لهم إنهم يطلعوا على قرى العرب، هى المركز الرئيسى للسلاح، لو أنا فاتح للساعة 10 بالليل ناس مسلحة تسرق فلوس الصيدلية، وفيه عربيات كتير اتسرقت قدام عينى، باضطر أقفل الساعة 9 بالكتير، وفى كل الأحوال من الساعة 6 الشوارع فاضية ما حدش بيمشى فيها، الناس خايفة وحياتنا فعلاً فى خطر».
سمة شوارع الصف غياب المرأة عن الشارع، قليلاً ما تجد سيدة تمر قادمة من سوق الخضار، إيقافها صعب، تجرى بمجرد الاقتراب منها وسؤالها عن مدى شعورها بالأمان فى ظل غياب عناصره، يفتح أحد المقاهى أبوابه، يجلس عليه عدد قليل يعد على أصابع اليد الواحدة، يتحدث سيد عبدالمقصود الشريف، صاحب المكان، كشاهد عيان على ما جرى فى قسم الشرطة يوم 30 يونيو؛ حيث يبعد عنه بأمتار قليلة «اليوم ده كان فيه مظاهرة للإخوان وقفت تشتم الشرطة وتحدفهم بالطوب، ألقت القوات قنابل الغاز عليهم خوفاً من اقتحامهم للقسم ومركز الإسعاف ومجلس المدينة؛ لأن الـ3 مبانى جنب بعضهم، لكنهم ما عملوش حسابهم إن العربان هينزلوا من الجبل ويستغلوا القلق ده لصالحهم، فجأة ظهر السلاح والمولوتوف، وفى أقل من ساعة كانت النار خارجة من كل مكان فى المبانى الثلاثة، من يومها غابت كلمة أمان عننا، وبعد خروج الضباط والأمناء استغل اللصوص الفرصة ونهبوا كل محتويات القسم والإسعاف، وشفت بعينى ناس بتشيل كراسى وكنب وكمبيوترات وتجرى بيها بعد ما النار هديت، إلى أن جاء بعض الأهالى ولاد الحلال قفلوا بوابات المبانى بالطوب الأحمر، وبعض الشباب رسموا علم مصر على الأبواب وكتبوا الجيش والشعب روح واحدة، عشان الفريق السيسى يعرف إننا مش بلطجية، وإننا مستنيين الجيش ييجى فى كل لحظة، إحنا ضحايا وكل ما نتمناه إننا ننام فى بيوتنا من غير ما نفتح عين ونغمض عين من كتر الخوف».
بالقرب من شارع المركز تقف مبانٍ غلبت عليها آثار الحريق شاهداً على غياب الأمن فى مدينة الصف، يجلس رجل أربعينى استغل جزءا من مبنى الإسعاف لعرض بضاعته من الحلويات، بينما بجواره المركز التكنولوجى لخدمة المواطنين المتفحم تماماً، أغلقت أبوابه ببعض الحواجز الحديدية بعد أن سرقت كل محتوياته، أما مركز الشرطة فتحيطه سيارات ترحيلات وعربات شرطة محترقة تماماً، وبوابته مغلقة وعليها علم مصر وشعار «الجيش والشعب روح واحدة»، يتحدث الحاج محمد، الرجل الستينى طويل اللحية، عن رفضه لاتهام الكل بالبلطجة؛ فيقول: «أنا راجل مسن ودقنى طويلة، هل معنى كده إنى إخوانى؟ لا طبعاً، كلنا ضد الخارجين عن القانون، فيه ناس بتقول إن عصام العريان وباسم عودة، القياديين الإخوانيين، مستخبيين هنا فى الصف، إحنا ما نقدرش نستبعد ده، لكن فى نفس الوقت لو واحد مننا شافهم هيبلغ عنهم فوراً، لكن فى الغالب هما فى الجبل عند العرب، إيه ذنبنا نتحرم من الخدمات الطبيعية لكل مواطن زى الأمن والصحة؟ من يوم حريق القسم ما شفناش فرد شرطة واحد، وفى نفس الوقت الأطباء مش موجودين فى المستشفى المركزى، بيخافوا ييجوا من القاهرة أو الجيزة، لو حد فينا تعب يا يسافر ساعة ونص للجيزة، يا ساعة إلا ربع لحلوان، يرضى مين الكلام ده؟». [ThirdQuote]
ما يقرب من ربع ساعة تفصل بين الطريق من قسم الشرطة إلى مستشفى الصف المركزى، طريق غير ممهد، رغم أنه أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة، الباب الرئيسى للمستشفى تعلوه لافتة، المكان مغلق بأبوابه الحديدية، وفى الجوار تفتح الاستقبال والطوارئ بابها لاستقبال المرضى، المكان مظلم من الداخل خالٍ من المرضى أو الأطباء، دقائق وتظهر إحدى الممرضات قادمة من إحدى الغرف، بينما يجلس رجل ثلاثينى فى مكتب صغير يدون مواعيد الحضور والانصراف، علامات الشك فى أن يكون هذا المكان هو المدخل الرئيسى للمستشفى، بسؤال الممرضة عن وجود بوابات أخرى قالت: «لا، هى دى المستشفى، بس يعنى تقدرى تقولى إنها مش مستشفى؛ لأن خدماتها محتاجة صيانة». فى مدخل الطوارئ بالمستشفى المركزى توجد عدة غرف متهالكة، تفتقد اللافتات، اكتفى العاملون بالمكان بكتابة طبيعة كل غرفة بخط اليد على جانب من السيراميك المتسخ، هنا غرفة العمليات الصغرى خاوية من الأطباء والأدوات أيضا، بجوارها سلة قمامة محاطة بكيس النفايات الخطرة بلونه الأحمر، أمامها حجرة كشف بها طبيب وممرضة يجلسان على كراسى مهترئة وبجوارهما نصف سرير تحطمت واجهته التى يضع عندها المريض رأسه، ومن حوله دولاب خشبى كسرت أغلب أجزائه، ينتهى المشهد بالدخول إلى قلب المستشفى؛ حيث توجد ساحة رملية كبيرة يدخلها بعض العاملين بعجلاتهم ودراجاتهم البخارية، لكن يظهر مشهد مختلف تماماً، مبنى فخم من خمسة طوابق وسلم رخامى، يجلس أمامه فرد حراسة تابع للمستشفى، يحكى قصته بحسرة شديدة: «ده المبنى الجديد للمستشفى، بدأوا بناءه سنة 2003، المفروض إنه هيحل مشكلة المبنى القديم بعد أن انتهت صلاحيته لاستقبال المرضى، لكن تعطل الأمر أكثر من مرة، وكل مرة نسمع حجة شكل، مرة يقولوا المكان ناقص أجهزة، ومرة تانية إن المقاول خد أكتر من حقه، وفيه عملية فساد، بس فى النهاية أنا واحد ساكن من سكان الصف، إزاى أتعالج فى المستشفى اللى تجيب المرض دى، وفى نفس الوقت شايف المبنى ده بفخامته ومحروم منه؟».
بجوار المستشفى الجديد المغلق مبانٍ أخرى صغيرة متهالكة، أحدها معلق عليه لافتة «قسم الطوارئ، العلاج الاقتصادى رجال»، بالداخل تفقد كلمة اقتصادى التى تعنى «تقديم علاج مميز مدفوع الأجر» معناها، بمجرد مشاهدة غرف المرضى بأسرّتها المتهالكة، يجلس رجل على سرير ومن حوله 6 آخرون، لا يختلف حال ما يرقد عليه عمّن حوله، كلهم متهالكون بلا ملاءات تذكر، يجلس بجواره ولده حتى ينتهى المحلول الذى جاء من أجله بعد إصابته بهبوط شديد، يرفض التصوير ويكتفى بالحديث عن معاناته «المضطر يركب الصعب، أنا من وقت للتانى بيجيلى هبوط شديد وضيق فى التنفس، بضطر آجى المستشفى دى لأن مفيش غيرها هنا، أقرب مستشفى بعيدة عن هنا بساعة ع الأقل، مفيش نضافة ولا رعاية، وساعات بكون محتاج أعمل أشعة يقولوا الجهاز عطلان، نفسى أفهم هى المستشفى إيه غير أطباء وشوية أجهزة، لو فكرت أدخل الحمام ييجى لى منه أمراض الدنيا كلها، لأن المجارى طافحة فيه، والحوض مفيهوش ميّه، يعنى بدل ما تتعالج هنا ممكن تخرج بمرض جديد».
المشهد لم يختلف كثيراً فى المبنى المجاور لقسم الرجال؛ حيث يرقد الأطفال المرضى ومعهم أُسرهم، على باب إحدى الغرف تتراكم القمامة وفوارغ أطباق الطعام تخرج إلى جانب سلة القمامة، وبالداخل عشرات الأفراد يجتمعون فى مكان واحد مع اختلاف أمراضهم، تشكو إحدى السيدات وهى تحمل المحلول لولدها فتقول: «كل طفل هنا عنده مرض شكل، لو واحد عنده برد وسخونية هينقلهم لكل أطفال المكان بسهولة، والقطط داخلة خارجة علينا، والنضافة ملهاش وجود، وفى النهاية الاسم مستشفى، طب نعمل إيه؟ مش كفاية مفيش أمن، كمان الحكومة نسيت الصف من الخدمات نهائياً».
خارج المستشفى يقف رجل ثلاثينى ينتظر خروج أحد أقاربه من المستشفى، يقف أشرف جمال يتحدث عن انتظار تطهير الصف أسوة بكرداسة: «لو الجيش يعرف إحنا منتظرينه ازاى هيتحرك فوراً، إحنا عارفين إن الدور علينا بس تعبنا من التأخير، مش بس عشان الأمان يرجع للمكان ونخلص من مظاهرات الإخوان اللى بتقفل الشوارع وكمان يمكن ييجى مسئول يوفر خدمات كتيرة محتاجاها الصف وأهلها، من مستشفى لرصف طرق والحد من السرقات وعمليات التثبيت بالسلاح والآلى، يمكن وقتها نرجع على الخريطة».