الحياة السياسية غير الناضجة تنتج إما سيولة فى المراهقة السياسية والبطولات المعارضة المزيفة التى فى ظاهرها إعلاء الحرية وباطنها ادعاء والبحث عن دور وإما أن تنتج سيولة بالمزايدة فى النفاق وفتح الأبواب أمام أصحاب المصالح وأصحاب الانتهازية المحترفين المخضرمين فيها أو عابرى السبيل وهى أحد أسوأ أشكال الإيذاء للإدارة السياسية وإذا كانت سلالة النفاق قادرة على التكاثر الذاتى طوال الوقت وفى جميع العهود فى المقابل فإننا لا نمتلك معارضة حقيقية ولكن لدينا شخصيات تعارض لكنها لا تنتظم فى تيار أو حزب أو جماعة وأغلب هذه الشخصيات ما زالت تعيش فى مرحلة المراهقة السياسية وبعضها مبتسر أو مشوه.
ويعتقدون أن المعارضة تختزل فى إعلان «لا» مع ما تيسر من وصلات السباب وإلقاء الاتهامات، البعض يتعلل بأن غياب المعارضة ناتج عن غياب الحرية، وإذا كان حقيقياً أن الحرية عنصر أساسى لصنع مناخ تنتج عنه معارضة حقيقية ولكن أحياناً توجد الحرية وتغيب المعارضة الحقيقية التى يجب أن تأتى من وجود تيارات سياسية قائمة على اتجاهات واضحة ومبادئ محددة وتمتلك رؤى وتصورات ناضجة لأسلوب الحكم حال وصولها إليه وتعبر عن قوة اجتماعية موجودة فعلاً أياً كان حجمها، وتحاول جذب فئات أخرى لتنضم إليها، ويكون ذلك عن طريق قدرتها على إقناع هذه الفئات بأنها تعبر عنها، والجدل أو الحوار مع حزب الأغلبية أو الحكومة القائمة لا يكون الهدف منه إسقاط نظام الدولة، فمن حق المعارضة إسقاط الحكومة إذا كان أداؤها يتنافى مع مصالح الناس، فإسقاط الحكومة شىء من صميم الديمقراطية والسياسة، بينما إسقاط نظام الدولة شىء آخر، ولو أن هناك إيماناً حقيقياً بتداول السلطة فستدرك المعارضة أنها غداً ستكون فى موقع الحكم وبالتالى فهى جزء من نظام الدولة، أما إذا كان هدفها إسقاط هذا النظام بالطعن فى شرعيته فهنا ستكون غير قانونية، وأغلب الشخصيات التى تتصدر المشهد كمعارضة تطعن فى شرعية النظام القائم وهذا يخرجها من إطار المعارضة الشرعية التى تعمل فى ظل القوانين لأن الطعن هنا معناه قلب نظام الحكم وهذه ليست معارضة طالما كان النظام القائم حصل على شرعيته من الشعب.
والمأساة أننا بعد 25 يناير أصبح لدينا يقين بسهولة إسقاط نظام الدولة، بل كان يمكن إسقاط الدولة نفسها، وبالتالى أصبح هذا الفكر هو منهج بعض الشخصيات المعارضة، فالهدم هو الهدف وليس بناء ثقة ووجود وأرض وواقع يسمح بالحصول على نسبة الأغلبية فى البرلمان، وبالتالى تشكيل الحكومة، وهنا يكون من حق المعارضة الدفع بمرشح رئاسى ويتمتع بمؤهلات النجاح والمنافسة.
من حق المعارضة أن تسعى للوصول إلى الحكم وفقاً للدستور والقوانين سواء عبر الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وليس عبر الظواهر الصوتية والنقد والاعتراض والتشكيك والسخرية فهل لدينا معارضة؟