يقيناً حل مشاكل مصر يبدأ من التعليم، ومهما كانت الجهود فلن تؤتى أى ثمار أو نتائج ما لم يتم الوصول إلى تعليم قوى وعادل ومتاح، والمؤكد أنها ليست مهمة سهلة ولن تتحقق فى شهر أو عام أو عامين، فضلاً عن احتياجها لميزانية ضخمة جداً.
لكن هذا لا يمنع البدء بخطوات وأفكار يمكن أن تسهم بشكل ما ولو جزئياً فى تربية العقل والوجدان ولا تحتاج إلى وقت أو ميزانية، فيمكن للدولة من خلال وزارة التربية والتعليم أن تصدر قراراً بأن يتم تدريس كتاب فى كل مرحلة دراسية لا علاقة له بالمناهج المقررة يعوض نقصاً كبيراً فى التربية العقلية والوجدانية للنشء، وعلى سبيل التحديد كتاب «شخصية مصر» لجمال حمدان، وهو كتاب يجب أن يدرس لطلاب المرحلة الثانوية، فهذا الكتاب ليس مؤلفاً عن الجغرافيا فقط، وإنما هو مزج عبقرى بين التاريخ والفلسفة السياسية والأدب والجغرافيا، والأهم من كل ذلك، الوعى الوطنى العام الذى يشع من هذا الكتاب، ولأنه موسوعة ضخمة يمكن أن تختزل على أن يتم تدريس كتاب من هذه النوعية خارج المناهج المقررة، وبالتالى يجب ألا يكون ملزماً، ولكنه دراسة اختيارية، وفى المقابل تكون هناك حوافز تعليمية متميزة نتيجة هذا الاختيار.
والمؤكد أن تأثير كتاب مثل «شخصية مصر» فى عقل وقلب طالب المرحلة العمرية من 15 إلى 17 عاماً يصنع فارقاً كبيراً فى الوعى والفهم والنضج، فشخصية الوطن، كما يؤكد جمال حمدان، كشخصية الفرد يمكن أن تنمو وأن تتطور وأن تتدهور، والمؤكد أن المعرفة هى التى تمنع التدهور وتنتج النمو والتطور.
وفى دراسته العبقرية «شخصية مصر» يؤكد «حمدان» أن أقل من يعرف عن مصر هم المصريون وحتى تكون هناك إرادة جادة لنمو وتطور الوعى عند الأجيال الجديدة فلا بد أن نعرف عن مصر كوطن وعن المصريين ما أثبته جمال حمدان وما أفنى فيه عمره، ويكفى أن نذكر ومضات من مقدمة هذا الكتاب لتغيير عقل ووعى الصغار والكبار. وعندما يتحدث جمال حمدان عن الشخصية المصرية يبرز ويوضح ويشرح ما يجب أن نعرفه وأن نواجه به أنفسنا يقول:
نحن كشعب لا بد لنا بصراحة أن نعترف بأننا لا نحب فقط أن نمجد أنفسنا وما يرضينا ويعجبنا أو يرضى إعجابنا بذاتنا الوطنية وبشخصيتنا القومية، بل إننا لنكره أشد الكره أن نسمع عن عيوبنا وشوائبنا، ونرفض بإباء أن نواجهها أو نواجه بها ولا تكاد توجد فضيلة أو ميزة على وجه الأرض إلا وننسبها إلى أنفسنا ونلصقها بها وأيما رذيلة أو عيب فينا إن هى وجدت فلا محل لها من الإعراب أو الاعتراف، وإن اعترفنا بها على مضض واستثناء فلها عندنا العذر الجاهز والمبرر والحجة المقنعة أو المتقنعة إلى محاسن بل أسوأ من ذلك قد نتباهى أو نتفاخر بعيوبنا وسلبياتنا ذاتها، ولعل هذا تجسيد لقمة ما سماه البعض الشخصية الفهلوية، ويبدو عموماً أننا كلما زاد جهلنا بمصر زاد تعصبنا لها، بل الملاحظ أننا كلما ازدادت أحوالنا سوءاً وتدهوراً زاد تفاخرنا بأمجادنا، وكلما زدنا استسلاماً وتسليماً، زدنا تباهياً بأننا شعب متحضر.
أهو نوع من الدفاع الطبيعى عن النفس للبقاء؟ أم خداع للنفس قاتل؟ أم هو الأمل عن طريق ثانٍ؟
أياً ما كان، فنحن معجبون بأنفسنا أكثر مما ينبغى إلى درجة تتجاوز الكبرياء الصحى إلى الكبرياء المرضى، ونحن نتلذذ بممارسة عبادة الذات فى نرجسية تتجاوز العزة الوطنية المتزنة السمحاء إلى شوفينية ساذجة بلهاء أو هوجاء، إنه مركب نقص بكامل أبعاده وبكل معنى الكلمة، وهذا مقتل حقيقى كامل للشخصية المصرية، فكل مركب عظمة فعلى أو مفتعل إنما هو مركب نقص مقلوب، إنه تعويض مريض عن شعور هو أصلاً زيف أكثر وشعور بعدم الثقة بالعجز والقصور باليأس والضمور والإحباط.
المراهقة الفكرية أو عدم النضج آياته أننا شعب قد يخف أو يخفف عقده وعيوبه بسخريته على نفسه أحياناً.
إن تقييمنا الذاتى لشخصية مصر يخضع للذبذبة الحادة العنيفة بحسب المتغيرات إلى النقيض المطلق فنضخم فى ذواتنا إلى حد السخف ونكاد نؤله مصر حين تنتصر، بينما ننهار ونكاد نسب أنفسنا عند أول هزيمة أو انكسار حتى عن مستقبل مصر فنحن إما متفائلون جداً أو متشائمون إلى حد التطرف، وكلا الحكمين لا يرى أو يضع الحقائق فى حجمها الطبيعى.