أعاد أحد الأطباء النفسيين الكبار فى جامعة جونهوبكنز الأمريكية توصيف النرجسية الخبيثة إلى دائرة الضوء، منذ أن أعلن أن الرئيس الأمريكى ترامب مصابٌ به. النرجسية الخبيثة متلازمة نفسية تتألف من مزيج من النرجسية واضطراب الشخصية وإذا كان نموذج ترامب هو الأشهر الآن، فالمشهد المصرى يؤكد أن النرجسية الخبيثة أصبحت ظاهرة، والمؤكد أنها كمرض يطفو على سطح المجتمع من خلال نماذج تستطيع أن تصل إلى أن تكون نخبة موجودة فى كل العصور، ولكن تأثيرها الضار والمؤذى للمجتمع يحدث فى الأوقات التى يكون المجتمع عاجزاً عن إفراز نخبة قوية ومتنوعة ومؤثرة، أو فى حالة التحول الاجتماعى، ومصر تقف فى هذه اللحظة منذ 2011، وبالتالى الأضرار التى تنتجها الشخصيات الخبيثة تتضاعف فى هذه الأوقات، لأنها الأكثر ضجيجاً وصاحبة الهلاوس التى تشغل مساحات كبيرة جداً، فعندما تكون النخبة آسنة غير متحركة وغير فاعلة وغير مؤثرة تكون النتيجة أن المشهد المصرى ممتلئ بشخصيات لديها اضطرابات نرجسية حادة وأبرز ملامح هذه الشخصيات أنها تبادر بالعدوان على الآخرين وتبنى بالوهم حولها دخاناً زائفاً من الهيبة أو النفوذ، ولديها مفاخرة زائدة لتغطية شعور داخلى بالنقص، ولديهم شعور بالغ بالأهمية الذاتية والمبالغة فيما حققوه من إنجازات، حتى لو كان الشخص معدوماً منها فلديهم من الغطرسة ما يجعلهم يحاولون تغطية هشاشتهم الداخلية، فيرون أنفسهم أعلى من الآخرين دون إنجاز، هى شخصيات تبحث عن الإعجاب المفرط وتتبنى الإسقاط كآلية دفاع عن جنون العظمة، ولديهم نقص عام وكبير فى الضمير والقيم واستمتاع غير مبرر بأذى الآخرين ورؤيتهم يتألمون، والمؤسف أن صاحب النرجسية الخبيثة أحياناً كثيرة هو شخصية شديدة الجاذبية، وأحياناً يجيد تمثيل دور العاطف الرحيم ذى الأخلاق الرفيعة، بينما أهم إنجازاته تشويه واتهام الآخرين كذباً وزوراً وبهتاناً، والبعض منهم يجيد دور الإنسان العاقل الذى يمتلك قوة التأثير على الآخرين يضخّمون الأمور ويخدعون ويتلاعبون ويجيدون استغلال الآخرين. النرجسية الخبيثة تبدو كأنها أصبحت وباءً جماعياً فى مصر، فالتلاعب بأفكار الآخرين والتلذذ بإلحاق الأذى بمن هم فى محيطه من أهم المتع الخاصة لأصحاب هذا المرض، فأصحابه من أشر الناس يتعاملون بأنهم الأحق والأفضل والأكبر، وفى مرحلة متقدمة من المرض يبدو هذه الشخصية وكأنه إبليس يمتلك موهبة التظاهر الكاذب بالمحبة، ولديه شعور بالاستحقاق ولكنه منزوع العاطفة، فهو يحتاج إلى التزود بوقود الإعجاب والثناء الدائم، بينما الشك المرضى السلبى فى الآخرين أحد المناهج فى منظومة الشر والإيذاء..
وصحيح أن العلم يؤكد أن النرجسية درجات، وهناك اضطراب جزئى واضطراب كلى، إلا أن هذه النماذج أياً ما كانت درجة المرض، فهى تمتلك من الشر ومن الجاذبية أيضاً ما يجعلها إحدى أهم الكوارث الإنسانية. وتصبح المصيبة فادحة إذا كنت مضطراً للتعامل مع شخصية تحمل النرجسية الخبيثة والأفدح أن تكون هذه النرجسية الخبيثة فى دائرة قريبة منك، فتتخذ من القرب منك أسلحة التحطيم الشامل.