إذا نظرنا إلى ما يدور حول مصر إقليمياً ودولياً والمرحلة التى تقف فيها الدولة المصرية الآن سنجد بدرجة من التأمل أن المشهد يقترب كثيراً مما حدث فى عام 1956، فنحن فى لحظة يُعاد فيها تشكيل العالم، ولا بد أن نتوقع من الآن وحتى نهاية الانتخابات الرئاسية فى مصر أن الولايات المتحدة، ومن معها، لديهم كامل الإصرار والشراسة لإنجاح خطة الفرصة الأخيرة وإسقاط الدولة المصرية وتقسيم الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة تعيد إنتاج دور الاستعمار القديم والهدف من تفكيك الشرق الأوسط ليس فقط توسيع المجال لسيادة إسرائيل، وإنما للتخلص من مشكلات هذه المنطقة حتى لا يكون هناك مجال لعودة روسيا إليها أو دخول الصين القوة المؤهلة والجاهزة لأخذ دورها فى قيادة العالم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
الولايات المتحدة وحلفاؤها يمثلون نفس التوجّه والمخاطر التى حدثت لمصر وللمنطقة العربية فى 56، وسيدة العالم تريد أن تتحول هذه المنطقة إلى مستنقع من الدماء، تريدها قبائل تقاتل قبائل لتعيش إسرائيل كدولة قوية وحيدة، فالولايات المتحدة ومن معها، يرون أن ثروات المنطقة العربية يجب ألا تكون لأصحابها، بل يجب أن توزع كغنائم، لتغلق تماماً صفحة الشرق الأوسط، التى دار حولها الصراع العالمى لمدة تقترب من 80 عاماً منذ بداية الحرب العالمية الثانية حتى تتفرغ أمريكا للصراع الأكبر الذى يُحدد موازين القوى العالمية الجديدة، حيث الصين واليابان والقوى الاقتصادية الباذخة والومضات الأخرى، مثل كوريا الشمالية.
الولايات المتحدة لا تريد الخروج من بزوغ قوة جديدة تقود العالم، وبالتالى فالمشهد الآن يشبه مشهد العدوان الثلاثى على مصر، وبدلاً من إنجلترا وفرنسا والحليف الإقليمى «إسرائيل»، فأصحاب العدوان الآن الولايات المتحدة وإنجلترا التابع وتركيا إقليمياً، وتم إضافة قطر، كما فعلت إنجلترا فى الماضى، عندما كانت تلعب على أحد الأطراف العربية، ليكون حليفاً لها.
مصر فى 56 كانت دولة تنهض، وكان هذا معناه خروج الاستعمار من المنطقة العربية واستقلال القرار الوطنى وتصدير الحالة المصرية الجديدة للمنطقة العربية، بحكم التأثير الطبيعى لمصر، وما حدث كان على النقيض من رغبة الاستعمار القديم، حيث اتّخذت إنجلترا تأميم قناة السويس سبباً فى تدخّل عسكرى مباشر فى سيناء، وكانت الحجّة الواهية هى حماية المصالح البريطانية والفرنسية فى قناة السويس، وكان السيناريو أن تكون هناك حرب فى سيناء، وأن تتم السيطرة على قناة السويس، فيسقط نظام يوليو و«عبدالناصر».
إذاً سيناريوهات الفكر الاستعمارى فى العالم لا تتغيّر أهدافها، يمكن أن ترتدى أثواباً مختلفة، وتستخدم تقنيات وأدوات تختلف من عصر إلى آخر، لكن أصل السيناريو واحد، وقد خاب وفشل هذا السيناريو، نتيجة اصطفاف الناس وراء الثورة و«عبدالناصر»، ومؤكد أنه كانت هناك خسائر، لكن الهدف الرئيسى من هذه المؤامرة لم يتحقق، ونهضت مصر بعد فشل العدوان اقتصادياً وسياسياً وغيّرت المنطقة تماماً وكتبت كلمة النهاية للاستعمار القديم، الذى خرج من المنطقة العربية ومن أفريقيا أيضاً، انتهى هذا الشكل التقليدى من الاستعمار، وانتهت بريطانيا كقوة من الدرجة الأولى فى العالم، وأصحاب السيناريو الاستعمارى الجديد ينسون أن الرغبة الشعبية تقف حائلاً أمام أقوى المخططات، مهما بلغت قوة دهائها وضغطها، فالكتلة العامة من المصريين رغم الضغط الاقتصادى.
فهل آن لنا أن نستيقظ ونكون معاً قوة واحدة، فالكلمة البسيطة التى يقولها الرئيس، وهى لا بد أن نكون معاً من المؤكد أنه يعنيها لأنه يدرك المعنى، فالاصطفاف الشعبى سيُحبط أى ثورة، وسيكتب لها الفشل. إذا نجت مصر من هذا العدوان، فستنجو المنطقة بالكامل وستتغير أيضاً، وسيكون هذا بمثابة حكم بالإعدام على كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية وأولها الإخوان، وسيكون حكم إعدام على سيناريو تحويل هذه المنطقة إلى دويلات متقاتلة داخلياً، وفشل السيناريو الأمريكى له أيضاً تأثير كبير فى الشكل الذى ستستقر عليه موازين القوى الدولية.