كان الأسبوع الماضى حافلاً بالأحداث والتطورات، من منتدى الشباب العالمى فى شرم الشيخ إلى تطورات الوضع فى المنطقة، ونُذر الحرب التى راحت تطل علينا من جديد. ومن بين هذه الأزمات والتطورات، أتوقف أمام ثلاثة مشاهد مهمة، كل منها له دلالته، ومعانيه.
المشهد الأول بعد مرحلة شد وجذب، واقتراحات وادعاءات، حسم الرئيس عبدالفتاح السيسى الموقف، وأكد مصداقيته وأوفى بوعده، وانحاز إلى الخيار الصحيح. لقد رفض الرئيس محاولات كل من طالبوه بتجاوز الدستور ومدّ الفترة الرئاسية إلى ست سنوات بعد إجراء التعديلات اللازمة. انتهز الرئيس فرصة عقد المنتدى الدولى للشباب وقال فى حديث لقناة «CNB2» الأمريكية: «أنا لست مع إجراء أى تعديل فى الدستور خلال هذه الفترة، سوف أحترم نص الدستور الذى يسمح للرؤساء بشغل مناصبهم لفترتين متتاليتين فقط، مدة الواحدة 4 سنوات». وقال الرئيس: «لا يناسبنى كرئيس أن أجلس يوماً واحداً ضد إرادة الشعب المصرى، وهذا ليس مجرد كلام أقوله فقط أمام شاشات التليفزيون، فهذه قيم أعتنقها، ومبادئ أنا حريص عليها». كان الكلام واضحاً، ومحدداً: لن أسمح بالتعديل أو التمديد، صُدم أعداء الوطن، كانوا يريدونها مدخلاً للطعن فى المصداقية، ووسيلة للتحريض، بل حتى الذين تبنوا وروجوا لهذه الادعاءات بهدف منحه المزيد من الوقت لتحقيق الإنجازات ومواجهة التحديات أُسقط فى يدهم هم أيضاً. كان موقف الرئيس درساً للجميع، ووعياً بحقائق الأمور، واحتراماً لإرادة ونضال الشعب المصرى، وصدقاً مع النفس، وقوة إيمان واحتراماً للذات. إن معنى ودلالة هذا الموقف أكبر بكثير من مجرد تصريحات إعلامية أدلى بها الرئيس، بل كانت ترجمة لرؤية صائبة، وإصراراً على إعلاء المصلحة العامة على حساب مصلحة الذات، حتى ولو كان الهدف نبيلاً والغرض سامياً.
المشهد الثانى عندما علمت رئاسة الجمهورية بمرض الفنانة المعتزلة شادية، أصدر الرئيس تعليماته على الفور بتوفير كل سبل الرعاية الصحية ومتابعة حالتها أولاً بأول، وعلى الفور صدر القرار بنقلها من أحد المستشفيات الخاصة إلى مستشفى دار الجلاء للقوات المسلحة، حيث خضعت للفحص الطبى والعلاج على يد كبار الأطباء المتخصصين، وظل الرئيس يتابع حالتها أولاً بأول، وبعد أن انفضّ منتدى الشباب العالمى فى شرم الشيخ وعاد الرئيس والسيدة حرمه إلى القاهرة فى العاشرة والنصف من مساء الخميس الماضى، اتجها من المطار إلى مستشفى الجلاء مباشرة. دخل الرئيس والسيدة حرمه إلى غرفة الفنانة المعتزلة، اطمأن عليها بنفسه، التقى أسرتها، استفسر عن آخر تطورات الحالة الصحية، وطالب بوضع كل الإمكانات الصحية لإنقاذ حياتها. هذا التصرف الإنسانى للرئيس السيسى ليس هو الأول ولن يكون الأخير، فالرئيس يتمتع بحس إنسانى عالٍ، لا يتردد فى الزيارة أو الاتصال أو المتابعة، وهى كلها أمور تعطى رسائل هامة، وإشارات إنسانية لها دلالتها.
المشهد الثالث عندما دقت نُذر الحرب فى المنطقة، وأطلقت إيران عبر الحوثيين صواريخها البالستية على شمال الرياض بالمملكة العربية السعودية، هددت المملكة بالرد على محاولات المساس بأمنها القومى. راح المحللون الخبراء يتوقعون قرب حدوث حرب فى المنطقة تتخذ من لبنان ساحة لها، من خلال توجيه ضربات عسكرية تستهدف «حزب الله» كرسالة موجهة إلى إيران ورداً على تزويد الحوثيين بالصواريخ البالستية التى راحت تهدد أمن المملكة فى الصميم. فى هذا الوقت كانت مصر تبذل جهودها من خلف ستار لتجنيب المنطقة خطر الحرب، وفى نفس الوقت التأكيد على حماية الأمن الخليجى باعتباره امتداداً للأمن القومى المصرى. وعندما سُئل الرئيس عبدالفتاح السيسى عن موقف مصر من هذه التداعيات لم يتردد فى إعلان رأيه بكل صراحة ووضوح وحرص على الأمن القومى العربى عندما قال: «أعارض الحرب، ولا نريد إشكاليات أخرى، ولا زيادة التحديات والاضطرابات الموجودة فى المنطقة»، وقال: «إن أمن الخليج هو خط أحمر بالنسبة لنا، ويجب على الآخرين عدم التدخل فى شئوننا والوصول بالأمور إلى شكل من أشكال الصدام». كانت هذه الرسالة تعنى رفض خيار الحرب وعدم زيادة حد التوتر فى المنطقة، لكن ذلك لا يجب أن يتم على حساب أمن واستقرار الخليج، وهى رسالة توضح أن مصر لا تفضل خيار الحرب ولكن ذلك مرهون بعدم التدخل فى الشئون الداخلية لدول الخليج، وألا يتم ذلك على حساب أمن الخليج واستقراره، بما يعنى أن مصر لن تقبل بإطلاق الصواريخ البالستية، ولا التهديدات الإيرانية الخفية منها والعلنية والتى تطال الأمن الخليجى فى المنطقة. كانت الإجابة ذكية وواضحة، فهى تأكيد على مواقف مصر الثابتة والمبدئية فى رفض الحروب واللجوء إلى التسويات السياسية، وفى نفس الوقت التأكيد على حماية الأمن القومى العربى والأمن الخليجى فى المقدمة. لم يكن هذا الموقف تخلياً عن السعودية أو دول الخليج التى تعانى مخاطر التهديدات الإيرانية، بدليل تصريح وزير الخارجية السعودى «عادل الجبير» الذى قال: «أعتقد أن ذلك يتماشى مع ما يفكر به الجميع فى المنطقة»، وأضاف: «نقول إن علينا أن نجد طرقاً للحد من نفوذ حزب الله، وأضراره، وعلينا أن نجد سبيلاً للضغط على أنشطة حزب الله الإرهابية ومشاركته فى شئون بلدان أخرى بناء على طلب إيران». وقال: «ليس هناك تناقض فى المواقف بيننا وبين مصر»!! وبالفعل فتصريحات الرئيس السيسى تعنى دعم السعودية فى دفاعها عن أمنها القومى، فى مواجهة هذه الهجمة الإيرانية انطلاقاً من اليمن، خاصة أن الوكالة الإيرانية الرسمية «إيرنا» أعلنت، الاثنين 15 أغسطس، أن الصاروخ الذى أطلقته الميليشيات الحوثية ضد الأراضى السعودية يوم الأحد 14 أغسطس كان «زلزال 3» وهو صناعة إيرانية، وتم توجيهه ضد أراضى محافظة نجران فى المملكة. وعندما يتكرر هذا الأمر، وبهذه الطريقة فهو يمثل اعتداء سافراً على بلد عربى شقيق، من هنا كان الإنذار المصرى الذى أطلقه الرئيس السيسى باعتبار أن أمن الخليج خط أحمر لا يجوز تجاوزه.