تركيا .. 3 انقلابات تنتهي بسيطرة المدنيين

كتب: ندى غانم

تركيا .. 3 انقلابات تنتهي بسيطرة المدنيين

تركيا .. 3 انقلابات تنتهي بسيطرة المدنيين

تمتلك العلاقات المدنية – العسكرية في تركيا خصائص مختلفة عن نظرائها في الدول التي لا تزال تعاني في إدارة الشؤون السياسية للبلاد من الازدواجية بين ما هو مدني وما هو عسكري. فالعلاقات المدنية العسكرية في تركيا تحكمها جذور تاريخية وأيديولوجية متعلقة ببناء الدولة ذاتها على يد مصطفى كمال أتاتورك على الأسس العلمانية، والتي كان للمؤسسة العسكرية دور كبير فيها باعتبارها المؤسسة الوحيدة الناجية من انهيار الدولة العثمانية وبالتالي لعبت دوراً هاماً في بناء الدولة القومية، كما أنها ليست صراعاً على السلطة فقط وإنما هي صراع على هوية الدولة أيضاً حيث يعتبر الجيش نفسه الضامن للأيديولوجية الكمالية. لذلك فقد جاء تطور تلك العلاقة محكوماً بتغيرات سياسية في المحيط الداخلي والخارجي، لتتحول العلاقة من ترجيح كفة العسكر في السيطرة على سياسات الدولة إلى ترجيح كفة السلطة المدنية المنتخبة. فعلى عكس دولة الخلافة العثمانية، أنشأ أتاتورك الدولة علي فكرة القومية التركية الخالصة، لا علي أساس الانتماء الديني. ومع وضع الدستور التركي في عشرينيات القرن الماضي تم تقليص وحصر دور الدين بما يقر العلمانية التامة للدولة. ومنذ ذلك الوقت مالت كفة السلطة لصالح المؤسسة العسكرية التي نصبت نفسها حامية العلمانية، والتي قامت بثلاثة انقلابات عسكرية على مدار 30 عاماً عطلت بها المسار الديمقراطي للدولة، بهدف الحفاظ على نظام ومؤسسات الدولة بالشكل العلماني الذي تراه المؤسسة العسكرية. وحدثت تلك الانقلابات بمعدل انقلاب كل 10 سنوات في أعوام (1960،1971، 1980) بالإضافة للانقلاب الناعم الذي أطاح بحكومة نجم الدين أربكان معتمدين في ذلك على الإعلام الذي عمل على إثارة مخاوف الشعب من حكومة أربكان الإسلامية حتى قدم استقالته في يونيو 1997. وقد حدثت تلك الانقلابات تحت رعاية القانون الداخلي للجيش الذي أعطاه مسؤولية الحماية والحفاظ على تركيا الوطن الأم والجمهورية التركية كما عرفها الدستور، وهو ما استخدمه العسكريون لتبرير انقلاباتهم. بالإضافة إلى النظام الأساسي للجيش الذي ينص على دوره في حماية البلاد من أعداء الداخل والخارج. لم تكن تلك الانقلابات العسكرية دموية، وعادة ما كان يعقبها حكم عسكري لفترة محدودة لا تزيد عن 3 سنوات يوضع خلالها دستور يفرد للعسكر المزيد من السلطات ويسمح للمؤسسة العسكرية بالمزيد من الاستقلالية والفوقية على السلطة المدنية، ثم تعود بعدها الحياه الانتخابية والبرلمانية العادية. ولكن تلك السيطرة العسكرية على الحياة السياسية تراجعت منذ عام 1989 والذي تم فيه انتخاب البرلمان لتورجوت أوزال رئيساً للجمهورية. وما أعقبها على مدار السنوات من تعديلات دستورية قلصت من صلاحيات العسكر المؤسسية في التدخل في الحياه السياسية، كما أطلقت الحريات السياسية بشكل أكبر. ومثلت بداية القرن الجديد نقطة تحول أكبر في العلاقات المدنية العسكرية، حيث خضعت تركيا للعديد من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بالتزامن مع سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي. فقد أعاد وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان إلى قيادة البرلمان ومن ثم تشكيل الحكومة في 2003 التوازن للعلاقات المدنية العسكرية بما يرجح كفة المدنيين لأول مرة من سنوات طويلة، بسبب توجه الحزب الوسطي المحافظ وقدرته على تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ بالإضافة إلى محاربته الفساد. ثم كانت التعديلات الدستورية التي تمكنت الحزب من تمريرها من خلال أغلبيته البرلمانية والتي رجحت كفة المدنيين في مجلس الأمن الوطني الذي استخدمه العسكر لحكم البلاد حتى تحول إلى مجلس استشاري للحكومة، كما زادت فيه نسبة الأعضاء المدنيين. بالإضافة إلى تمكن الحكومة على مدار العقد المنصرم من أن تستبعد العسكريين بشكل كبير من القضاء والجهاز الإداري للدولة. وعلى الرغم من تلك الجهود المبذولة لترسيخ الديمقراطية المدنية إلا أن النفوذ الفعلي للعسكر لا يزال قوياً على المستوى المؤسسي بسبب الاستقلال النسبي للمؤسسة العسكرية، والمجتمعي بسبب قوة التيار العلماني. وإن كان ذلك النفوذ في تآكل مستمر بسبب صراع الحزب مع العسكر لترسيخ الحكم المدني عن طريق العديد من المعارك السياسية والقانونية والتي كان آخرها الاستقالة الجماعية لكبار قيادات الجيش في أغسطس 2011 احتجاجاً على رفض الحكومة ترقية زملائهم المعتقلين بتهمة التآمر على النظام، وهو التصرف الذي يعكس خضوع غير مسبوق من العسكر لقرارات الحكومة المدنية، خاصة مع نجاح الرئيس عبد الله جول في تعيين رئيساً جديداً لهيئة أركان القوات المسلحة بدلاً عن المستقيل.