ماذا تريد إسرائيل هذه المرة؟

هل يمكن للمشكلة الفلسطينية أن تتحلحل عقب الكلمات والاجتماعات التى شهدتها القمة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة؟. الطريقة التى تحدث بها أطراف القضية وزعماء الدول التى تتبنى حلاً أبدياً للمشكلة المزمنة تقول إنهم متفائلون، وقد عبروا عن تفاؤلهم بطرق مختلفة، الوحيد الذى غاب عنه التفاؤل لبعض الوقت هو الرئيس الفلسطينى عباس أبومازن، حين نوه بعجز المنظمة الأممية عن تفعيل ما سبق واتخذته من قرارات بشأن القضية، ووقف الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة (الضفة وغزة والقدس الشرقية).

الرئيس عبدالفتاح السيسى ذكر فى كلمته «حل الدولتين»، وأكد ما هو متفق عليه من أن الدولة الفلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية. جاء ذلك بعد لقاء عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. ومن المعلوم أن الأخير يرفض هذا التصور الجغرافى للدولة الفلسطينية بشدة، خصوصاً أن مئات الألوف من المستوطنين اليهود أصبحوا يعيشون منذ زمن فوق أراضى الضفة والقدس الشرقية، وبنوا حياة كاملة هناك. ومخططات الاستيطان التى نشطت خلال العقود الأخيرة كان هدفها نسف هذا الحل المطروح من أيام الرئيس السادات -رحمه الله- بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وفى كل الأوقات كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم خطط الاستيطان الإسرائيلية. هل جد هذه المرة جديد على الموقف الإسرائيلى جعل العديد من زعماء العالم متفائلين هذه المرة بتفعيل هذا الحل على الأرض؟.

قد يكون هناك تفكير داخل إسرائيل للتنازل عن الأطماع فيما تبقى من أراضى الدولة الفلسطينية، بعد طرد الفلسطينيين من أرضهم وديارهم عقب حرب 1948، لكن أحداً لا يستطيع أن يصدق ذلك إلا فى حالة واحدة، هى أن تكون إسرائيل سوف تتنازل قليلاً عن أطماعها فى الأرض مقابل مكاسب أخرى أكبر سوف تحصدها على المستويات السياسية والاقتصادية. التجربة مع الدولة العبرية تؤكد ذلك، فقد رضيت إسرائيل بعد إبرام معاهدة السلام مع مصر أواخر السبعينات بإرجاع الأرض المصرية التى احتلتها خلال عدوان يونيو 1967 مقابل مكاسب سياسية واقتصادية محددة، كان جوهرها تحييد موقف مصر من العربدة العسكرية للجيش الإسرائيلى فى المنطقة، بالإضافة إلى ما جنته من مكاسب اقتصادية، مثل الاستفادة من ثروة مصر من الغاز.

ربما كان صانع القرار الإسرائيلى يفكر هذه المرة بشكل مختلف، والحديث المستمر عن نموذج «السلام المصرى الإسرائيلى» يؤشر إلى ذلك، وظنى أن إسرائيل تطمع هذه المرة فى ثروات الخليج على المستوى الاقتصادى، وفى حشد المنطقة ضد إيران على المستوى السياسى. خلال زيارته الأخيرة التى قام بها «ترامب لإسرائيل» تحدث «نتنياهو» عن اللحظة التى تهبط فيها الطائرة المقبلة من تل أبيب فى مطار الرياض!. مال الخليج كثير، و«نتنياهو» ليس أقل من «ترامب» طمعاً فيه. أما موضوع إيران فكل الأمور مهيأة له، فعداء وخشية دول الخليج من إيران أمر لا يخفى على أحد، وهو عداء يتناغم مع رغبة إسرائيلية/ أمريكية لتقليم الأظافر الإيرانية، ولكى يتحقق المراد للطرفين العربى والإسرائيلى على هذا المستوى لا بد من أن تتنازل إسرائيل عن مغنم صغير لصالح مغانم أكبر.