أثار التقرير الصادر من منظمة هيومن رايتس ووتش حول التعذيب فى مصر الكثير من الجدل، والتقرير فى الحقيقة يتناول 19 حالة تزعم أنها تعرضت للتعذيب، وانتهى التقرير إلى أن التعذيب يتم فى مصر بصورة منهجية وأن السلطات لا تقوم بالتحقيق فى الانتهاكات بل ولم يصدر حكم فى أى قضية تعذيب، ورغم أن التقرير فيه الكثير الذى يمكن أن يتم تناوله لو أجرى تحقيق قضائى فيه إلا أن الهجوم انصب على المنظمة وتاريخها وتمويلها ومصادرها دون تناول الموضوع نفسه، ويعتقد الكثيرون أن هذا هو الطريق للتعامل مع التقارير التى تتناول أوضاع حقوق الإنسان فى بلدان العالم، إلا أن الهيئة العامة للاستعلامات خالفت هذا المنهج وقامت بعمل تقرير عُرض فى مؤتمر صحفى تناول موضوع التقرير ذاته.
وفى هذا الإطار عقدت لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب اجتماعاً، ضم ممثلين عن الهيئة العامة للاستعلامات ووزارة الخارجية والمجلس القومى لحقوق الإنسان، لمناقشة التقرير وكيفية التعامل معه، وكان سؤال النائب علاء عابد لى وهو يعطينى الكلمة كيف نتعامل مع هذا التقرير؟ وتحدثت عن ملاحظاتى على التقرير وأكدت أننا يجب أن نتعامل مع المنظمات غير الحكومية بطريقة مختلفة عما ألفنا التعامل به معهم، فلا يوجد مقر لمنظمة دولية غير حكومية فى مصر لا سيما أن آليات الأمم المتحدة تعتمد كثيراً على تقارير المنظمات الدولية غير الحكومية فى التعرف على حقيقة أوضاع حقوق الإنسان ومدى إنفاذ الدول لالتزاماتها الدولية الواردة فى الاتفاقات والعهود التى تم التصديق عليها.
ولكى نتمكن من مواجهة مثل هذه التقارير اقترحت استراتيجية بديلة تقوم على أساس التعاون والشراكة مع منظمات المجتمع المدنى وبشكل خاص مع المنظمات الدولية غير الحكومية وذلك للأسباب الآتية:
أولاً أن هناك عدداً من المنظمات الكبرى التى تساهم بقدر مهم فى إمداد آليات الأمم المتحدة بالمعلومات والتقارير حول حالة حقوق الإنسان ومنها بالطبع منظمات الهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للحقوقيين والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، وفى الحقيقة فإن علاقتنا كمصر متوترة جداً مع هذه المنظمات، كما أن قانون الجمعيات الجديد قضى تماماً على إمكانية التواصل أو خلق علاقة مع هذه المنظمات، فضلاً عن تقييد عمل المنظمات المحلية العاملة فى مجال حقوق الإنسان.
ثانياً أن منهجية التجاهل والإنكار لا تصلح ولا تساعد فى نفى التهم بارتكاب الانتهاكات التى ترد فى التقارير الصادرة من تلك المنظمات أو مع آليات الأمم المتحدة، مثل لجنة مناهضة التعذيب وهى اللجنة التى تشكلت بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، والتى تتلقى شكاوى وتقارير المنظمات غير الحكومية حول التعذيب ومدى التزام الدول بالتحقيق فى الانتهاكات وإحالة المسئولين عن التعذيب للمحاكمة.
ثالثاً إننا فى حاجة ماسة لتحسين سجلنا فى مجال حقوق الإنسان لا سيما إذا تم إنشاء آليات وطنية للتحقيق فى الانتهاكات لا سيما أن الحكومة المصرية قبلت التوصيات الصادرة من الأمم المتحدة، ومنها لجنة مناهضة التعذيب بخلق آلية وطنية للتصدى إلى التعذيب.
رابعاً إننا بالفعل قطعنا خطوات مهمة بإنشاء قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية وإدارة حقوق الإنسان فى الخارجية، ومكتب حقوق الإنسان ملحق بمكتب النائب العام، كما أننا شكلنا لجنة للتقرير الدورى الشامل وما ينقصنا هو التنسيق بين تلك الجهات لتلقى التقارير الصادرة من المنظمات والتحقيق فيها وإعلان نتائج التحقيق للرأى العام والمجتمع الدولى، وهنا يجب الإشادة بمبادرة الهيئة العامة للاستعلامات فى إعداد رد موضوعى على تقرير منظمة هيومن رايتس وواتش، والذى ذكر فيه التقرير على سبيل المثال إحصائيات وأرقاماً عن القضايا التى حققت فيها النيابة بعضها صدرت فيها أحكام بالسجن على المتورطين فى جرائم التعذيب وعددها 103 قضايا، وكذلك دعوة السيد مساعد وزير الداخلية للمنظمة لزيارة السجون.
أخيراً تعديل قانون الجمعيات لتصحيح العلاقة مع المنظمات غير الحكومية وخلق قنوات للتواصل وتحقيق الإنصاف فى مجال حقوق الإنسان ينعكس لا شك بالإيجاب على سجلنا وعلاقتنا بالمجتمع الدولى.