«المستشفى العام».. نقص الأدوية والتخصصات الدقيقة فى «قلب المدينة»
المستشفى العام يعانى من الازدحام ونقص الأدوية
يعد مستشفى مطروح العام، الذى يقع فى شارع الإسكندرية الشهير بوسط مدينة مرسى مطروح، نقطة تجمع مركزية للمرضى المقبلين من كل مراكز محافظة مطروح النائية، التى تبعد عنها مئات الكيلومترات، ورغم التجديدات المستمرة التى تجريها مديرية الصحة فى المستشفى وإضافة أقسام جديدة، إلا أن نقص الأدوية وضعف الخدمة الطبية ونقص بعض التخصصات الدقيقة من أهم المشكلات التى تواجه المستشفى حالياً.
طبيب: قدرات بعض أطباء التكليف «دون المستوى».. و«المديرية» وقعت تعاقدات جديدة مع استشاريين وأخصائيين.. و90٪ من أدوية الرمد يشتريها المرضى من خارج المستشفى
بوابة المستشفى الرئيسية لا تعرف السكون، دخول وخروج المرضى وذويهم لا يتوقف فى مثل هذا الوقت من العام، وافدون على قسم الاستقبال الذى يقع على يمين البوابة، ويضم الكثير من أهالى المرضى الذين ينتظرون توقيع الكشف على أقاربهم داخل غرف الملاحظة بقسم الطوارئ.
مرت دقائق قليلة على حالة الهدوء التى اتسم بها قسم الاستقبال حتى سُمع صوت مرتفع صادر من الطرقة التى تجاور قسم القلب الجديد، إنها مشادة كلامية حادة بين شابين مصابين بكسر فى ذراعيهما، وسيدة كانت تنتظر خروج زوجها ووالدها من قسم الغسيل الكلوى بالمستشفى. بدأت المشادة بتبادل عبارات التهكم والسخرية بين الشابين والسيدة، وتطورت حتى قامت السيدة باستدعاء أحد رجال الأمن الذى حضر إليهما، وطالبهما بتسليم أنفسهما لنقطة شرطة المستشفى بعد الانتهاء من إجراء عملية الغيار لتحرير محضر ضدهما، ولم يستمع أحدهما إلى نصائح أقاربه الأكبر سناً بضرورة الاعتذار للسيدة ومسئول الأمن بالمستشفى.
وبالقرب من موقع تلك المشادة كان يجلس عبدالحكيم سيد، 35 سنة، على أحد كراسى الدكك البلاستيكية، وعلى حجره طفلته الصغيرة التى يبلغ عمرها 3 سنوات فقط، كانت مصابة بكسر فى رجلها اليسرى، حاول الأب تخفيف آلام الانتظار عن ابنته أمام غرفة الجراحة، لكن الطفلة الصغيرة كانت تبكى بشدة من شدة العطش، وقال الرجل لـ«الوطن»: «احنا محجوزين هنا من أسبوع، والدكتور قال صوموها من الساعه 9 الصبح عشان هنخدرها، واحنا بنغير على مكان العملية وقاعد هنا فى مكانى من الساعة 10 والساعة دلوقتى 2 ولسه ما دخلناش، وهى بتعيط عشان عاوزة تشرب ومش عارف أعمل إيه».
والد طفلة مريضة: «محتجزين فى المستشفى من أسبوع والدكتور طلب من بنتى تصوم من 9 صباحاً علشان العملية وانتظرنا حتى آخر اليوم ولم تدخل العمليات»
تنخرط الطفلة الصغيرة فى البكاء مرة أخرى، ويحاول الأب تهدئتها وإلهاءها عن طلب شرب المياه المتكرر دون جدوى، وتسبب صوت بكائها الحزين فى تعاطف السيدات اللاتى كن يجلسن على الأرض فى الطرقات.
وفى داخل أسوار المستشفى أمرت ممرضة أربعينية ابنها الصغير بشراء أدوية من إحدى الصيدليات خارج المستشفى نظراً لعدم توافر الأدوية المطلوبة لعلاج عينها اليسرى بالمستشفى: «لو كان فيه دوا فى صيدلية المستشفى كنت هتعالج زى أى مواطن وأصرف العلاج من هنا ببلاش أحسن ما أدفع 100 جنيه على شراء الدوا من بره».
وأمام غرفة الرعاية المركزة، جلس 5 أبناء لسيدة من طنطا محجوزة فى قسم الرعاية المركزة بعد إصابتها بجلطة فى المخ، ملامح الحزن كانت تكسو وجوههم، والصمت كان يخيم عليهم جميعاً، حتى خرج أحد الأطباء من داخل قسم الرعاية وأخبرهم أن حالتها صعبة وسيتم نقلها إلى الإسكندرية وطنطا لمواصلة العلاج، وأخبرهم أن إدارة المستشفى ستقوم بالتواصل مع مديرية الصحة للاتصال بالإسكندرية للتنسيق معها قبل نقل المريضة إلى هناك.
وقال الابن الأكبر: «الحالة خطيرة، والمرض ده ما جاش لأى حد وقام منه تانى، كل الحالات انتهت بالموت ولو هنا رعاية كويسة كنا هنسيبها، لكن العلاج فى جامعة طنطا أحسن».
من جانبه، قال طبيب بالمستشفى، فضل عدم ذكر اسمه، إن «مستشفى مطروح العام لا ينقصه فى الوقت الحالى أى تخصصات بعد التعاقدات الجديدة التى وقعتها مديرية الصحة مع الاستشاريين والإخصائيين من جامعة الإسكندرية وبعض الجامعات الأخرى، لكن الأزمة حالياً لا تكمن فى الكم، بل تكمن فى الكيف، وقدرات بعض أطباء التكليف والنواب المقيمين ليست على المستوى المطلوب، لأنهم لم يتلقوا تدريبات وتكليفات جيدة تمكنهم من التعامل مع تشخيص وعلاج الأمراض بشكل جيد مثل باقى مستشفيات الدلتا والقاهرة، ورغم أن مستشفى مطروح العام نقطة تجمع مركزية لكل المراكز النائية التابعة للمحافظة، التى لا يوجد بها معظم التخصصات الأساسية، إلا أنه لا يقدم الخدمة الطبية على المستوى المطلوب ويفضل معظم المرضى الذهاب إلى العيادات الخاصة لعدم ثقتهم فى العيادات الخارجية المزدحمة بالمرضى غير القادرين، بالإضافة إلى عدم فاعلية الأدوية الحكومية القليلة واعتمادهم فى العلاج على شرائها من الصيدليات الخاصة، كما يفضل المرضى الذهاب مباشرة إلى الإسكندرية للعلاج هناك عند أطباء الجامعة بسبب خبراتهم الطويلة، وقلة خبرة الإخصائيين بمطروح».
وأضاف الطبيب الشاب لـ«الوطن» أن «محافظة مطروح بها 90% من أدوية وزارة الصحة الموجودة فى كل مستشفيات الجمهورية، التى يتم الحصول عليها من خلال مناقصات حكومية، ولا يوجد نقص إلا فى بعض الأدوية، لكن كل الأدوية الحكومية مفعولها ضعيف جداً، ولا تسمن ولا تغنى من شراء الأدوية من الخارج، هى عبارة عن «كمالة عدد» فقط، فمثلاً أدوية العيون يضطر المريض إلى شراء 90% منها من الصيدليات الخاصة، لأنها غير موجودة أصلاً فى صيدليات المستشفى، ويقوم المرضى حتى الآن بشراء بعض المستلزمات الطبية وأدوات الجراحة مثل خيط العمليات والشاش وجبس الكسور، فضلاً عن الكثير من أدوية القلب والكبد والكلى، لأنها غير متوفرة هنا، كما يتم تحويل المرضى إلى خارج المحافظة حتى الآن رغم وجود غرف رعاية مركزة بالمستشفى».
.. والمرضى يفترشون الأرض داخل المستشفى العام