ماذا يريد «السيسى»؟

السؤال الذى طرحته كل أجهزة الاستخبارات العالمية العاملة فى القاهرة منذ يوم 30 يونيو الماضى حتى الآن بقوة وإلحاح هو: ماذا يريد الفريق أول عبدالفتاح السيسى؟ هل هو طالب سلطة؟ هل هو قائد انقلاب عسكرى؟ هل هو طالب مقعد رئاسة الجمهورية ويسعى للوصول إليه عبر دبابة المؤسسة العسكرية؟ السؤال الذى حير الجميع ماذا يريد هذا الرجل بالضبط؟ والبعض فى مصر صوره على أنه ثورى صاحب أفكار ناصرية استدعى قوة المؤسسة العسكرية. والبعض الآخر من أنصار التيار الإسلامى يرى السيسى على أنه انقلابى ركب موجة الثورة الثانية فى 30 يونيو. إذن هل هو انقلابى ركب الثورة؟ أم ثورى استخدم المؤسسة العسكرية؟ فى الحقيقة، أو على الأقل فى تقديرى المتواضع فإن الرجل أبسط من هذا وذاك. عبدالفتاح السيسى، مصرى من طبقة فوق متوسطة، عاشق لمصر، شديد الولاء لمؤسسته العسكرية. السيسى نموذج للجنرال المصرى المحترف الذى يسعى للمحافظة على هيبة وقيمة ودور المؤسسة العسكرية المصرية بتقاليدها الراسخة منذ عصر محمد على باشا عام 1805 حتى الآن. السيسى هو نسيج مجموعة أفكار وطنية وقومية تعبر عن السواد الأعظم لجنود وضباط الجيش المصرى. السيسى درس فى الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على أرفع شهادات العلوم العسكرية بها، لكنه ليس صنيعة لها ولا هو عدو تقليدى لها. السيسى وطنى مصرى يؤمن بسيادة مصر الكاملة على كامل التراب الوطنى دون تفريط فى شبر واحد منه. والسيسى رجل عروبى يؤمن بدور مصر القومى لكنه ليس على استعداد لرهن سلامة واستقلال مصر لأى شقيق عربى كائناً من كان. السيسى هو نقطة المنتصف الوسطية فى الفهم السياسى لسلامة واستقلال الوطن دون تطرف أو مغالاة وأيضاً دون تخاذل أو تفريط. جاءت الموجة الثانية من ثورة يناير 2011 حتى أيدها جيل السيسى، وهو أول جيل يقود المؤسسة العسكرية المصرية فى مرحلة ما بعد قواد حرب أكتوبر 1973. إنها تركيبة استثنائية ونادرة فى الحياة السياسية المصرية. ماذا يريد السيسى بالضبط؟. قد لا تصدق إذا قلت لك إن هذا الجنرال يريد أن يتقاعد مبكراً بعدما يريد مصر المحروسة، آمنة مستقرة فى ظل دولة مدنية عصرية يلعب فيها جيشها دوره الدستورى فى حماية الأمن والاستقرار. السيسى ليس من طلاب السلطة ولا المال ولا الشهرة. إنه درويش فى حب مصر، متصوف فى طلب السلطة. هذا كله يجعل تقارير السفارات الأجنبية عنه غير دقيقة بالمرة لأنه يصعب على العقل، النفعى البراجماتى أن يتخيل أن هناك جنرالاً يصل إلى السلطة عبر قوة الشارع ودعم الدبابة، ورغم ذلك لا يطمح فى أى شىء!!