مقهى زينب خاتون فى رمضان.. «طبلية الفطار» مع التنورة والعود وسحب البخور
«إلى نوره سبحانه أتوسل.. وأرجو الذى يرجى إليه وأسأل.. فسبحان من تعنو الوجوه لوجهه.. ومن كل ذى عز له يتذلل».. على أصوات الابتهال تعالت سُحب البخور زكّت الهواء، مئات الزوار منتشرون فى الساحة المواجهة لمنزل «زينب خاتون» الأثرى، كل فى شغل.. البعض منهمك بحشو معدته بوجبة السحور.. فتيات يضحكن سائحات يشاركن عارض «التنّورة» رقصته ودورانه.. أخريات يلتقطن لرفاقهن صوراً مع عازف المزمار ذو الجلباب والعمامة الصعيديين.
خلف الجامع الأزهر، يتوارى منزل زينب خاتون، الذى رفعت أعمدته حفيدة السلطان حسن بن قلاوون الأميرة شقراء هانم، وانتهى به المقام أن ملكته خادمة من خادمات مراد بك، القائد المملوكى، اسمها «زينب» إبان الحملة الفرنسية على مصر، ومذ ذلك التاريخ سُمّى البيت باسم صاحبته الجديدة «بيت زينب خاتون»، و«خاتون» معناها السيدة الشريفة.. دارت الدوائر وأصبح البيت أثرياً وصارت الساحة المواجهة له خيمة رمضانية ومقهى فى الأيام العاديات.
«عصام خاتون» هذا هو الاسم الذى اختاره صاحب المقهى المجاور لمنزل زينب خاتون تيمّناً باسم المنزل الأثرى الذى يجذب عشرات الزائرين يومياً، يقع مقهى عصام خاتون فى ساحة أثرية بين «بيت زينب خاتون»، و«بيت الهراوى»، و«بيت الست وسيلة». يقول «عصام»: «بدأت مقهاى بطاولتين فقط وشيئاً فشيئاً ومع إقبال الرواد على الأماكن الأثرية كبيت الهراوى وبيت زينب خاتون واستمتاعهم بالحفلات المستمرة فى بيت العود قدرت على تنمية المكان لحدٍ بعيد».
رمضان فى زينب خاتون حافل، فكما يقول «عصام خاتون» فإن مقهاه المقابل لمنزل زينب خاتون الأثرى يكتظ مع المغرب بالزوار حيث يتناولون وجبات الإفطار «رمضان له طابع تانى.. الناس بتيجى تفرّغ غضب النهار والشغل وبييجوا على فطار «طبلية خان خاتون» وفيه سحور بعد نص الليل نقدمه لرواد المكان على أنغام الموسيقى الشرقية والعود».
من المقطم إلى خان خاتون قطع عبدالله درويش المسافة مع أصحابه لقضاء ليلة رمضانية وسط الخيام المزركشة بالأزرق والأحمر والأبيض، والوسائد الملقاة على الأرضية على غرار قاعات المجالس العربية: «المكان فى زينب خاتون مريح وفيه من جو الحسين وخان الخليلى وفى رمضان بيبقى فيه جو رمضان، زينب خاتون موجود بجوار أماكن أثرية فيها روح مصر القديمة.. كل دى أسباب تخلينى أنزل من المقطم لزينب خاتون باستمرار وقت ما أقدر» يقول درويش.
تختلس السائحات الشقراوات النظر إلى نقاش المعادن الذى جلسن أمامه وهو يدق بمسماره وشاكوشه على الإناء النحاسى الأصفر من أمامه، عصام رضا، نقاش على المعادن، يعمل بمحل فى مواجهة المقهى الذى يرتاده السائحون. ويشكو نقاش المعادن، أربعينى العمر، من كساد السوق لا سيما فى مجال عمله الذى يعتمد فى أغلبه على حركة السياحة: «بقالنا سنتين ونص والسياحة واقفة لكن للأمانة بقالها فترة قليلة بدأت تفك تانى، والموجودين قدامى أو المارة أو اللى على المقهى كبيرهم يتفرجوا عليا وأنا باشتغل وماحدش بيشترى إلا قليل».
لا تنتهى عروض التنورة فى المقهى المُحاط بالمبانى الأثرية، ذلك لأن «التنّورة» هى أكثر ما يستميل الحضور، لكن فى المقابل هناك حفلات أخرى كما يقول عصام خاتون، صاحب المقهى ومديره: «لدينا حفلات للعود فى مقهى زينب خاتون لا تنتهى، أحيا إحداها العازف الشهير نصير شمّة منذ فترة، فضلاً عن حفلات العود المتفرقة التى يقبل عليها الرواد، غير أن رواد «زينب خاتون» يميلون إلى تفضيل حفلات الغناء الموسيقية كحفلات فريق وسط البلد، وفتحى سلامة وحسن الجريدلى وأكثر الحفلات والعروض التى يتفاعل معها الرواد هى عروض «التنورة».
يقول عصام خاتون: «ليس لدىّ أى مشكلات والحمد لله فى إدارة المقهى، وحتى سكان المنطقة أعاملهم بشكل طيب وأستضيفهم فى المقهى بأسعار أقل بمقدار النصف من الأسعار التى أقدم بها الخدمة لغيرهم من زوار المقهى، لكن المشكلة الوحيدة التى تواجهنى هى وجود المقهى فى مكان أثرى وهذا يتسبب فى مشكلات أن الآثار ترى أننى أضر بالآثار رغم أن وجود المقهى فى هذا المكان كان سبباً فى حماية المبانى الأثرية فى أيام الثورة حيث احتجزنا كل البلطجية الذين حاولوا السطو على منازل الهراوى والست وسيلة وزينب خاتون الأثرية وسلمناهم للشرطة.. فكيف نكون إذن مصدر إضرار بالآثار؟».
«لولا قرارات السيسى بعزل مرسى قبيل شهر رمضان بأيام لكنا عانينا من أعداد الزبائن القليلة» هذا ما يشير إليه صاحب مقهى زينب خاتون متابعاً: «قرارات السيسى قبل رمضان الحالى نجدتنا بأمانة وخلّت لرمضان طعم، لو كان الناس فضلوا تحت حكم مرسى كانوا فضلوا مكبوتين فى الشهر الكريم، الناس لما بتحب تفك بتهتم أكتر بالحفلات والعروض والموسيقى والعود والتنورة وخصوصاً التنورة والطبلة اللى بيرقصوا على دقتها».
يتردد على مقهى زينب خاتون مجموعة من مشاهير الشعراء والأدباء، بحسب عصام خاتون، وكذلك عازفو العود ممن ينظمون حفلات ببيت العود المجاور للمقهى ومن بينهم فاروق شوشة، وأحمد عبدالمعطى حجازى، ويجتذب المقهى ولا يزال المزيد من الزائرين، كما يقول عصام.
تساعد رضوى، ابنة صاحب المقهى، والدها فى إدارة المقهى فى فترة إجازتها من الدراسة، وتلاحظ رضوى أن «رواد المقهى يستهويهم القعدات العربية المختلفة عن المقاهى السياحية الأخرى، وكذلك عروض التنورة بتعجب كتير من الزوار، غير إننا بنعمل حفلات خاصة للرواد بمناسبة أعياد ميلاد، وبيكون فيها عزف عود».
تختم رضوى عصام كلامها بقولها «من بعد الثورة وفيه حالة من الانفلات الأمنى بتخوف السياح من زيارة مصر عموماً لكن فى المكان هنا من وقت الثورة محصلش ولا حادثة سرقة سياح أو اعتداء على أماكن أثرية والمرة الوحيدة اللى حصل فيها كدة تصدينا بنفسنا للى حاولوا يقتحموا بيت زينب خاتون وبيت الست وسيلة.