الطريق إلى التدهور!

أيهما سوف ينتصر على الآخر: «استمرار التدهور» أم «التوصل إلى تسوية» فى مصر؟ أيهما لديه حظوظ على الأرض: المزيد من الهستيريا والتظاهر والعنف والدماء، أم لغة التعقل والحكمة والاعتدال والسعى إلى التفاوض الجدى؟ يبدو -والله أعلم- أن الفوز على المديين القريب والمتوسط سيكون للغة التوتر والتصعيد والدماء. أشتمّ مزيداً من الدماء فى الميادين والشوارع والمدن والمحافظات المصرية من الجانبين. وأرى سقوط قتلى ومصابين بالمئات، إن لم يكن بالآلاف، فى الأسابيع القليلة المقبلة. وأرى اعتداءات على مراكز الشرطة وأبنية حكومية ومقرات حزبية ومنشآت عامة ومديريات أمن وثكنات عسكرية. وأرى ظهور أسلحة دمار غير تقليدية فى المعارك المقبلة تبدأ من مدفع «الجرينوف» إلى راجمات الصواريخ، وصولاً إلى الصواريخ المضادة للطائرات. وأرى بدايات فتنة طائفية فى المحافظات وفتح مخازن السلاح المكدسة فى أقبية مساجد وكنائس منذ شهور. وأرى استمرار هستيريا النخبة السياسية من جميع الأطراف التى تقدم خطاباً تصعيدياً يدعو إلى العنف والقتل والإلغاء والإقصاء للآخر ومحاولة حذفه تماماً من التاريخ والجغرافيا. لا أرى -للأسف- احتمالات تسوية قريبة ولا أرى لغة عقلاء قابلة لكى تسود، ولا أرى مناخاً مواتياً للحوار بين أطراف الأزمة. وأخطر ما فى الأزمة التى عشناها هذه الأيام أنها تحولت من حالة أزمة كنا نديرها إلى أن أصبحت أزمة تديرنا! استفحلت المسألة وخرجت عن حدود السيطرة لأى طرف من الأطراف. الكارثة الكبرى أنه لا شىء يمكن أن يؤدى إلى حل أو تسوية. لا حكم الإخوان سيؤدى إلى الاستقرار، ولا إبعادهم عن الحكم سيؤدى إلى التهدئة. جرّبنا منذ يناير 2011 حكم رئيس ذى خلفية عسكرية، وجربنا حكم مجلس عسكرى، وجربنا حكما لرئيس ينتمى لجماعة الإخوان، والآن نجرب حكم رجل قضاء فاضل لمرحلة انتقالية، ورغم كل هذه التجارب وتنوعها فإننا لم نجد فيها الحل المنشود. عاصرنا ثورة فى يناير 2011 وثورة فى يونيو 2013 وعاصرنا تحركاً للجيش فى كل مرة منهما، وعاصرنا نزول ملايين فى كل منهما. لكن لم يؤدِّ أى حدث، أو أى نظام، أو أى ثورة، أو أى انقلاب، إلى سكون الناس وشعورهم بالاستقرار والرضا. ما الذى يمكن أن يعيد المجتمع المصرى إلى صفائه وهدوئه واستقراره؟ سؤال عظيم يستحق التأمل والإجابة.