خيام رمضان «الشعبية» تكتسح الخيام «الهاى»
على جانب الطريق، وفوق الرصيف «الحكومى» المتاخم لترعة الإسماعيلية الممتدة لمسافة تفوق 120 كيلومتراً، تحول الشاطئ التابع لزمام وزارة الرى إلى مجموعة من الخيام لا يفصلها عن الطريق سوى حواجز من القماش الزاهى ألوانه، تعلو على الأرصفة أصوات الأغانى الشعبية وتتصاعد فى الجو رائحة دخان النارجيلة بنكهات متعددة، وعلى إحدى الطاولات جلس مجموعة من الشباب يحتسون مشروبات ساخنة وباردة ويستمتعون بالجو الرمضانى على شاطئ «البحر»، كما يسمونه، ليتحول الرصيف إلى «خيمة رمضانية للفقراء».
الخيم الرمضانية أحد أهم مظاهر الاحتفال فى شهر رمضان المبارك، إلا أن سخونة الأحداث السياسية وما تبعها من أزمات اقتصادية طاحنة جعلت المصريين يعزفون عن زيارة الخيام الفندقية، الأمر الذى تسبب فى غلق معظمها، كما يؤكد محمد فتحى الذى يعمل مرشداً سياحياً: «الشهر المبارك كان يُعتبر موسماً مهماً من مواسم مصر السياحية بسبب توافد العرب إلى مصر خلال شهر رمضان»، إلا أن الاضطراب الأمنى والحالة السياسية التى يصفها المرشد السياحى بـ«المتأزمة» دفع السياح العرب والخليجيين إلى العزوف عن القدوم، مفضلين الأماكن السياحية الأفضل أمناً: «الموسم صعب والعرب بقوا يروحوا الأردن أو لندن عشان يحتفلوا برمضان، وعشان كده معظم الخيام الرمضانية فارغة».
أعلى أحد الفنادق الشهيرة بالعاصمة دُشنت خيمة كبيرة، إلا أنها كادت تخلو من زوارها، فالمصريون فى الوقت الحالى لا يفضلون «الخيمة الـ5 نجوم» كما يعبر سمير مندور، أحد العاملين بالخيمة، الذى يؤكد أن ارتفاع أسعار المشروبات والسحور بخيم الفنادق جعل المصريين من الطبقة الوسطى يُفضلون الذهاب إلى الخيام الشعبية الآخذة فى الانتشار: «هنا كوباية الشاى بـ25 جنيه، والسحور بيتكلف فى المتوسط 120 جنيه للفرد، يعنى العائلة الواحدة المكونة من 5 أفراد ممكن تدفع 1000 جنيه عشان تتسحر، وده كتير جداً»، يؤكد «سمير» أن عدد الخيام الرمضانية هذا العام قل بنسبة تزيد على الـ70% بسبب الموسم السياحى «المضروب» على حد قوله، ويشير الشاب إلى أن معظم الفنادق فضلت عمل «خيم داخلية» على الأسطح أو حول حمامات السباحة، على عكس السنوات السابقة التى كانت فيها الخيام تقام فى حدائق الفنادق والأماكن المفتوحة. يقتصر الوجود فى الخيام الرمضانية الفندقية على بعض رجال الأعمال «اللى بيعملوا صفقات وشغل فى الخيمة»، علاوة على بعض الأسر «اللى متأثرش دخلها بالأحداث الجارية»، على حد قول «سمير» الذى يؤكد أن خيم رمضان 2013 اختلفت بشكل كامل: «الخيام السنين اللى فاتت كان فيها ترفيه بجد، حفلات بيحييها المغنيين وبرامج جامدة، دلوقتى بقت سحور ومشاريب ودى جى من غير مطربين».
«الإقبال هنا كويس الحمد لله»، يقول المعلم عبدالوهاب سيف، صاحب إحدى «الخيام الشعبية»، الذى يؤكد أن الإقبال زاد هذا العام بسبب الظروف الاقتصادية المتردية التى يمر بها الشعب المصرى: «هنا الشاى بـ3 جنيه والقهوة بـ4 جنيه، وده سعر كويس للناس اللى معظمهم خسر وظيفته بسبب الأحداث بعد الثورة»، قبل عدة أيام من بداية الشهر الكريم بدأ «عبدالوهاب» فى تحضير الخيمة التى يؤكد أنها لا تختلف كثيراً عن خيام الفنادق، أحضر مولداً كهربائياً و«فراشة» لعزل الخيمة عن الشارع، واختار مكاناً مميزاً على شاطئ ترعة الإسماعيلية، وبدأ فى إعداد الخيمة وإحضار «الصنايعية». التعدى على الشارع والرصيف الحكومى أحد التهم التى قد توجه إلى «المعلم» إلا أنه لا يكترث كثيراً بها: «الكورنيش روقته وظبطته وعملت قعدة للناس الغلابة، وسايب جزء من الرصيف عشان الناس تمشى عليه»، الأرض التى استغلها الرجل الأربعينى لعمل خيمته «ملك للناس مش لحد تانى»، حسب تعبيره، مؤكداً أنه حاول استيفاء أوراق حكومية تمكنه من العمل بشكل شرعى إلا أن المحافظة رفضت إعطاء تصاريح لإنشاء الخيمة: «بيدوها للفنادق ومش بيدوها للغلابة»، يؤكد الرجل أن شهر رمضان وعيد الفطر يمثلان «موسم الرزق» بالنسبة إليه، مشيراً إلى أنه يقدم خدمة لـ«الغلابة» الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة «سهرات الناس الهاى».