البس حلتك يا مواطن..!

فى كل مرة تتخذ الحكومة قرارات تقع فى سياق ما تطلق عليه «برنامج الإصلاح الاقتصادى»، وهو الوصف المهذّب لشروط صندوق النقد للحصول على دفعات قرض الـ12 ملياراً، يخرج علينا المسئولون مؤكدين أن الحكومة سوف تبدأ فى مراقبة الأسواق ومواقف الأجرة والميكروباص، وسوف تمتطى ظهور التكاتك، حتى تمنع أى تاجر أو بائع أو سائق جشع من رفع الأسعار بنسبة أكبر من النسب التى قرّرتها الحكومة. وفى كل مرة تقول فيها الحكومة ذلك لا يصدقها المواطن، من منطلق أن الحكومة التى تدير أمور معيشة المواطن ليس لها «حيلة» سوى الكلام. والمتأمل لواقعنا المعيش الذى تكويه موجة حرارية عاتية، تصاحب التداعيات اليومية للقرارات الأخيرة برفع أسعار الوقود على الأسعار، يستطيع أن يفهم أن حديث الحكومة عن المراقبة على الأسعار لا يقع فى سياق «الكلام الحنجورى» الذى لن يُنفّذ فى الواقع، الأمر غير ذلك. بالمعنى العام حكومتنا تمارس رقابة من نوع خاص جداً على الأسواق، وهى رقابة لا تعنى التدخّل لإنقاذ المواطن من جشع التجار الذين يستغلون قراراتها، لكن بهدف معرفة إلى كم وصلت الأسعار بعد أن ترك المسئولون الأسواق «تضرب تقلب»، وبالغ من بالغ من رفعها؟.

الحكومة تراقب الأسواق المتطاحنة لتعرف المدى أو السقف الذى وصل إليه سعر السلع والخدمات، لأنها تسترشد بهذه المعلومات فى قرارات الزيادة الجديدة. على سبيل المثال أعلنت الحكومة أنها دست مخبرين سريين داخل مواقف الميكروباصات لمنع السائقين من زيادة الأجرة، بعيداً عن التعريفة التى قررتها الحكومة. أنا شخصياً أصدق الحكومة فى ذلك، لكننى لا أرى لهؤلاء المخبرين وظيفة سوى التلصص على الارتفاعات التى حدثت فى «أجرة الميكروباص»، وليس منع السائقين من رفعها، وقس على ذلك «التكاتك» وغيرها من وسائل النقل. هذه المعلومة مفيدة جداً للحكومة، ولا تستبعد أن يخرج علينا وزير النقل قريباً ليُحدثنا عن ضرورة رفع أسعار تذاكر النقل العام والمترو، مستشهداً بما يدفعه المواطن فى «التوك توك» أو الميكروباص!.

الحكومة تراقب وتفتش وتدقق وتجد ما تملك به الحجة على المواطن، أو بالبلدى كده «علشان تلبسه حلته»، وتتخذ ما شاءت وشاء لها الهوى من قرارات رفع الأسعار. دعك من مثال «الميكروباص والتوك توك» وتذكر تلك الأحاديث والتصريحات التى رددها بعض المسئولين، وهم يتندرون على المواطن الذى يدعى الفقر، فى حين تسجل عدسات الكاميرات الطوابير الطويلة العريضة التى تتزاحم على شركات بيع الشقق الفاخرة والفيلات، والتزاحم على السوبر ماركتات، وداخل بعض المولات والأسواق وغير ذلك. الحكومة تستغل هذه المشاهد فى تبرير قراراتها برفع الأسعار، دون أن تأبه إلى أن هذه الأعداد التى تُحصى بالآلاف لا تمثل نقطة فى بحر المصريين الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 93 مليون نسمة. الحكومة -كما قلت لك- تراقب، ليس بهدف حماية المواطن من الجشع الذى يُبرره التجار والبائعون والسائقون بقراراتها، لكن بهدف ضبطه بـ«الحلة»، حتى تثبت عليه أنه يمتص مقدراتها كى يعيش، دون أن يلتفت إلى نتائج جشعه هذا على موازنة الحكومة الغلبانة!.