بروفايل: سيد مكاوى.. «المسحراتى»
مرتديا عباءته البيضاء ونظارته السوداء، يسير «المسحراتى»، بعد منتصف الليالى فى رمضان، فى كل حارة وكل شارع وكل زقاق، ينتظر قدومه الأطفال قبل الكبار، بعد نوم أصابهم إثر مشاهدة فوازير ومسلسلات رمضان والسهر واللعب فى الشوارع الغارقة بزينة رمضان، يمسك الشيخ بعصا قصيرة ينقر بها طبلته الصغيرة 4 مرات متتابعة، لتصدر صوتا يحفظه كل المصريين عن ظهر قلب، رافعاً رأسه لأعلى، يديم النظر فى الفراغ، وتتحرك شفتاه فى أناة لتقول فى صوت جهور «المشى طاب لى والدق على طبلى، ناس كانوا قبلى قالوا فى الأمثال، الرجل تدب مطرح ما تحب، وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال، اصحى يا نايم، وحد الدايم.. رمضان كريم».
هكذا ارتبط اسم سيد مكاوى، شيخ الملحنين، بالشهر الكريم منذ أن رحب بقدومه مغنيا «هل هلالك يا رمضان»، هو المولود فى حى الناصرية، بالسيدة زينب عام 1926، دفعه كف بصره وهو صغير إلى حفظ القرآن الكريم والمداومة على رفع أذان الصلاة فى المساجد المحيطة، وفى مقتبل عمره شغف بالإنشاد الدينى، وكون مع الأخوين إسماعيل ومحمود رأفت، ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء، معتمدا على حفظ التراث الشرقى والإنشاد الدينى، مما ساعده فى صياغة الألحان الدينية والقوالب الموسيقية. كانت بداية الشهرة لسيد مكاوى من خلال لحن أغنية «مبروك عليك يا معجبانى يا غالى» لشريفة فاضل.
بعد ذلك قدم «مكاوى» العديد من الألحان للمطرب الكبير محمد عبدالمطلب، مثل اللحن الأشهر «اسأل مرة عليّا» والذى دوى فى جميع أنحاء مصر، وسلط الضوء على ذلك الملحن الناشئ، والذى تتجلى عبقريته فى شدة بساطته وعمق مصريته، والتى استمدها من المدرستين الموسيقيتين اللتين كان ينتمى إليهما ونهل من علمهما، وهما مدرسة سيد درويش التعبيرية ومدرسة زكريا أحمد التطريبية، ثم لحن له أغنيات أخرى مثل «اتوصى بيّا» و«قلت لابوكى عليكى وقالى»، وكذلك أغنية «كل مرة لما أواعدك» والتى غناها «مكاوى» فى الثمانينات ونالت شهرة واسعة.
ذاع صيت «مكاوى» بمرور الوقت واشتهر بلحنه الشعبى البسيط وصوته العذب، وغنى لكبار الشعراء ولحن لكبار المطربين، من أمثال أم كلثوم فى «يا مسهرنى»، و«أوقاتى بتحلو»، وكان أوبريت الليلة الكبيرة الذى كتبه صلاح جاهين، ووضع هو ألحانه علامة فارقة فى مشواره الفنى.
كان لتقديم «المسحراتى» فى الإذاعة المصرية دور كبير فى شهرة سيد مكاوى مع الشاعر العبقرى فؤاد حداد، الذى كتب له العديد من الأغانى الوطنية والشعبية. ظل «مكاوى» يقدم «المسحراتى» بنفس الأسلوب، حتى وفاته فى 21 أبريل 1997، وهو دليل بساطته الشديدة. يعتبر بصمة فنية مهمة فى الكلمات ومحطة من المحطات اللحنية المتفردة فى التراث الموسيقى الشرقى. حققت الأغانى الشعبية لمكاوى نجاحاً كبيراً فى مصر والعالم العربى، مثل «حلوين من يومنا والله وقلوبنا كويسة»، و«كدا أجمل انسجام»، و«ياحلاوة الدنيا»، فضلا عن الأغانى الوطنية والحماسية مثل «الأرض بتتكلم عربى».