عودة التجمعات إلى قصر الرئاسة بمصر الجديدة
كالمناطق المحرمة بدت مصر الجديدة بالقرب من مقر الرئاسة ومنزل مبارك قبيل الثورة، كان الدخول إلى هناك ممنوعاً على المواطنين العاديين، لا نملة تمر، ولا ذبابة تقترب، فى المكان الذى سكنه مبارك لأكثر من 30 عاماً، ومارس منه مهام وظيفته ظلت المنطقة أقرب ما تكون للثكنة العسكرية، بلوكات خرسانية تسد الطريق، وحواجز مرورية تغلق الشوارع فى ثانية واحدة، ورغم أن مترو مصر الجديدة ظل يقطع الطريق أمام القصر الجمهورى، ورغم أن أحد البنوك شغل جانباً من نفس القصر، فإن بواباته المنيعة المخصصة لدخول وخروج موظفى الرئاسة ظلت فى معزل عن عيون الرقباء، لا يمر من أمامها مترو، ولا يشغل بنك جانباً منها.
لم تتغير خريطة المنطقة إلا بعد هبوب رياح الثورة عاصفة قوية تجرف فى طريقها البلوكات الخرسانية والحواجز المرورية، للمرة الأولى اقترب المواطنون من قصر الرئاسة عشية يوم 10 فبراير 2011، عقب الخطاب الشهير لمبارك الذى أعلن فيه أنه لن يترك السلطة إلا فى أول يوليو من نفس العام. بدا الخطاب وقتها مستفزاً إلى حد بعيد لمواطنين يرابطون فى ميدان التحرير لأكثر من 15 يوماً، مات منهم من مات، وبقى منهم من بقى، ولم يكن لهم من مطلب سوى رحيل رأس النظام عن البلد، وعندما ظهر وأخرج لسانه للجميع لم يجدوا بُداً من أن يتركوا «التحرير» متوجهين إلى القصر الرئاسى سيراً على الأقدام بعد انتهاء الخطاب مباشرة، هاتفين من أعماقهم «يوم الجمعة العصر.. هنهد عليه القصر».
كان القصر قد تحصن تماماً قبل أسبوعين من نفرة المتظاهرين، تكاثفت الدبابات على مداخل الشوارع المؤدية إليه، وانتشرت الأسلاك الشائكة لترد من يفكر فى -ولو مجرد تفكير- التسلل للمنطقة، وعندما بدأت أعداد المتظاهرين فى التوافد على المكان لم يجدّ شىء على المنطقة، ظلت الدبابات على حالها والسلك الشائك فى مكانه، ومع انتصاف النهار مع تزايد أعداد المتظاهرين وجد أحد الموجودين هناك الفرصة ليكتب على حسابه على «تويتر»: «قدمنا للجنود وروداً فحولوا عنا فوهات مدافع الدبابات».
كانت تلك إشارة لما حدث بعد ذلك، إذ لم يمر وقت طويل حتى ظهر اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية وقتذاك، ليعلن على شاشة التليفزيون المصرى خبر تخلى الرئيس مبارك عن منصبه، ليعود المتظاهرون مرة أخرى لـ«التحرير»، وتهتز مصر كلها بالفرحة من أقصاها إلى أقصاها، قبل أن يسود الهدوء.
لم تفقد المنطقة خصوصيتها، ظلت كما كانت دائماً ثكنة عسكرية مع تخفيف ضئيل للإجراءات الأمنية، حتى كان اليوم الذى أعلنت فيه لجنة الانتخابات الرئاسية فوز الدكتور محمد مرسى، مرشح حزب الحرية والعدالة، بمنصب رئيس الجمهورية، فى الانتخابات التى جرت على مدار يومين فى ربوع البلاد، وقتها أحس الناس أنهم يجب أن يعودوا مرة أخرى لمصر الجديدة، يحملون اللافتات، ويرفعون الصور، ويقطعون الطريق ويطالبون بحقوقهم، والأهم من ذلك يخترقون الثكنة العسكرية التى لن تصمد فى وجوههم طويلاً.