أدهشتنا بنضجها الفكرى السياسى والجمالى مسرحية «أبوالعريف» على مسرح مركز الهناجر للفنون، للثنائى المتميز: المؤلف عبدالمنعم عبدالقادر، والمخرج حسن الوزير، اللذين سبق أن قدما معاً إبداعات تجتهد من أجل ذائقة خاصة للمسرح المصرى، كما سبق أن اجتهد فى ذلك الرواد من الحكيم مروراً بإدريس إلى يسرى الجندى وغيرهم.
يقدم عرض «أبوالعريف» تحليلاً لسنوات عهد مبارك، وجذوره فى عهد السادات، وتمتد رحلة المسرحية حول مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان، على حد تعبير عنوان كتاب هيكل.
وفى المسرحية يطلق على مبارك «مطيع.. الجالس القرفصاء» فهو مطيع للقوى الاستعمارية الأمريكية والصهيونية، ويطلق عليه «أبوالعريف» فى إشارة ساخرة من وصف منافقيه الشهير الدائم له بأنه رجل الدولة الحكيم، ويطلق عليه «ميموس الثانى»، بينما السادات «ميموس الأول»، كما تطمع زوجة مبارك بشدة فى أن يرث نجلهما «شلبى» الأب فى حكم البلاد والعباد (أهالى نزلة الطاهرة)، ونسمع فى المسرحية صيحة الجماهير مدوية ساخطة، رافضة: «شلبى.. أمك عايزاك تبقى ميموس التالت!!».
ولا يلجأ مبدعو مسرحية «أبوالعريف» إلى الرمزية لتدارى شيئاً إزاء الرقابة، فالمسرحية واضحة فى موقفها ولا تدارى أى شىء، لكنها تلجأ إلى رمز أو تشبيه حيناً، أو إلى التعبيرية (كما فى مشهد انفجار الثورة وهجمات القناصة وسقوط الشهداء والجرحى).. وإلى أساليب وعناصر من المسرح الشعبى والأراجوز والاستعراض والغناء.. إلخ، وذلك من أجل تكثيف العرض، وتقديم معالجته للقضية السياسية بأقصى ما يمكن من تعبير فن مرهف، بعيداً عن المباشرة الثقيلة، فتمتعت المسرحية بالتكثيف الشعرى، ولذلك تمكنت من التعبير عن الأبعاد الأساسية فى القضية بلماحية وإيجاز فى آن.
استمتعنا بأشعار المسرحية لمحمد الشاعر وألحانها لأحمد خلف وبأصوات مطربيها، مثل: «وقت الشدايد يا بلدنا باتخلق.. أول ما صوتك جوه سمعى يندلق»، ومثل: «طب دا الشعب أساس الدولة.. يبقى إزاى ياخدونا مقاولة!»، وباستعراضات سيد البنهاوى، وأزياء فايزة نوار، وديكور وإضاءة إبراهيم الفوى، وفرقة الآلات الشعبية بقيادة محمود السباعى، وبعرائس عادل ماضى إلى جانب أدائه لشخصية الأراجوز، وبالأداء التمثيلى لمجمل الكوكبة من المواهب الحقيقية الصادقة، فقد وفقوا جميعاً فى أدوارهم مثل كرم أحمد فى دور مبارك، ودعاء فى دور زوجته، ومصطفى شيتوس فى دور نجله، وحمادة شوشة فى دور الأنونجى (المعبر عن ترزية القانون)، وهانى إبراهيم فى دور حسن شر الطريق، وآية محمود فى دور أم الخير.. وغيرهم من دون استثناء.
إن «أبوالعريف» تحفة مسرحية عن زمان نظام مبارك الطويل ثقيل الوطأة، لكن جهات أو مسئولين، يحولون الآن دون استمرار واستئناف العرض، من غير سبب، سوى أن يكون ذلك لصالح بقايا نفس النظام.. اللى «لسه ما سقطش»، كما يقول الخال الأبنودى.