أجواء وطنية وروحانية تسيطر على مجمع الأديان فى رمضان.. «لكم دينكم ولى دين»
مجمع الأديان بمصر القديمة
فى مجمع الأديان بمصر القديمة مبانٍ دينية وأثرية ضخمة، شاهدة على أن أرض مصر ضمت أبناء الديانات الثلاث، فالدين لله والوطن للجميع. حالة من الهدوء النسبى تسود أركان مجمع الأديان مع الاقتراب من منتصف النهار الذى تشتد فيه درجات الحرارة وأشعة الشمس الحارقة، لكن ذلك لم يمنع بعض الزوار والمصلين من زيارة هذه المنطقة الفريدة التى تتوسط قلب القاهرة القديمة، فلكل واحد منهم غاية وهدف من الزيارة؛ إذ يأتى بعضهم للتبرك تارة، ولتأمل فن العمارة الإسلامية والقبطية تارة أخرى.
جولة فى «عمرو بن العاص» و«مارجرجس» و«المعبد اليهودى»
أمام كنيسة القديسة بربارة، يجلس محمود معوض، بائع هدايا تذكارية، يقول: «فى نهار رمضان يتوافد زوار أقباط على الكنائس الموجودة بالمنطقة، حيث تستمر الرحلات المقبلة من كافة المحافظات لزيارة مجمع الأديان فى معظم أوقات السنة»، أما حركة السياحة فقد قلّت كثيراً خلال الفترة الماضية، على حد قوله، مضيفاً أنه ينصرف من المنطقة فى تمام الساعة الرابعة عصراً، مثل أغلبية البائعين وأصحاب البازارات فى المنطقة، حيث تغلق الكنائس أبوابها أمام الزائرين فى الساعة الثالثة عصراً.
وفى كنيسة مارجرجس، يتوافد الزائرون والمصلون، بصفة شبه يومية، من ضمنهم أسرة مسيحية جاءت خصيصاً من محافظة أسيوط كى تتبرك بالمكان، يخلع الجميع الأحذية قبل دخول الهيكل للصلاة، تقف «أم مريم» بظهر منحنٍ قليلاً للأمام، هى سيدة صعيدية فى الستين من عمرها، ترتدى ملابس سوداء، عيناها واسعتان محددتان بكحل أسود، تملأهما الدموع، بينما تنتقى بيدها شمعة، تضيئها، وتغرس قاعدتها فى الرمل، ثم تنتهى من صلاتها، وتخرج من المذبح، قائلة: «ربنا يرحم جميع الشهداء».
أمام الكنيسة كان ينتظرها ابنها الأكبر «مجدى»، برفقة أطفاله وزوجته، يقول بنبرة مرتفعة ممزوجة بالسعادة: «إحنا جايبين الأولاد علشان يزوروا المنطقة، ويعرفوا الكنايس فى مصر»، مضيفاً أن العائلة قررت استغلال فترة الهدوء التى تحيط بالمناطق الأثرية، خاصة فى فترة الصيام فى نهار رمضان، للاستمتاع بتأمل الطراز المعمارى الفريد».
فى نهاية شارع الكنائس الأثرية الذى يجاور محطة مترو مارجرجس، يقع المعبد اليهودى، تقول سلوى محمد، فتاة عشرينية، إنها جاءت فى زيارة لمجمع الأديان برفقة أصدقائها، والفضول هو ما دفعهم للدخول إلى المعبد اليهودى، لرؤية تصميمه، وذلك بعدما زاروا الكنائس الأثرية المحيطة، ليختتموا جولتهم بالصلاة فى جامع عمرو بن العاص، على حد قولها.
الأطفال يركضون فى جنبات المنطقة الأثرية، يلعبون ويهرولون، وتتعالى أصوات ضحكاتهم، بينما تمر مجموعة من السياح البريطانيين، يلتقطون صوراً تذكارية أمام كنيسة مارجرجس والمعبد اليهودى، يقول مصطفى أحمد، مرشد سياحى، إن توافد السياح على المناطق الأثرية فى مصر قلّ كثيراً.
وعلى بعد عدة أمتار من المعبد اليهودى، يقع جامع عمرو بن العاص، وهو أقدم جامع فى مصر، والذى بُنى عام 21 هجرياً، وقد تم تطوير بنائه على مر العصور، أمام الجامع خرجت أفواج من السيدات يرتدى معظمهن النقاب والخمار، وفى مصلى السيدات الذى يحوطه سور خشبى مزخرف على مساحة كبيرة داخل الجامع، تفصله عن صحن الجامع الذى يعد مفتوحاً ومرئياً فقط فى مكان صلاة الرجال، يقف رجلان يقدمان الإسدالات لبعض السيدات اللاتى يدخلن بدون حجاب.
تقول ميادة محمد، سيدة أربعينية، إن بيوت الله جميعها مفتوحة لاستقبال المكلومين والتائهين، مشيرة إلى سيدتين تبكيان: «أختى جوزها مات قبل يومين من رمضان، الصدمة كانت كبيرة عليها وعلى بنتها، بيحبوا الجامع هنا، بجيبهم كل يوم يقعدوا يصلوا ويدعو له، ربنا يصبرهم».
تستعد سيدة للصلاة وبجوارها أطفالها الصغار، تقول لهم: «زى ما أعمل اعملوا زييى بالظبط»، يقلدها أطفالها، حتى ينتهوا من صلاتهم، ويسلموا يمينهم ويسارهم، تقول «هاجر» بنبرة واضحة إن بيتها قريب من جامع عمرو بن العاص، لذلك قررت اصطحاب أطفالها للصلاة فى الجامع، حتى يعتادوا على التقرب من الله.