الانتفاضة التركية.. جمهورية أتاتورك تواجه «الدولة العثمانية»
هل فعلتها روسيا لتخفيف الضغط عن سوريا، وإرسال رسالة للولايات المتحدة بأنها قادرة على زعزعة أمن حليفها التركى وقلب المائدة على حكومة أردوغان؟ سؤال بات يفرض نفسه على المشهد التركى مع حلول اليوم الخامس لمظاهرات ميدان «تقسيم» أحد أشهر ميادين تركيا، وبعد وصول مظاهر الاعتراض لعدد من المدن التركية الأخرى، رغم ضعف أعداد المتظاهرين بها مقارنة باسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا.
يأتى هذا التساؤل فى الوقت الذى تقود فيه المعارضة اليسارية بزعامة الحزب الجمهورى أحداث المظاهرات ضد حكومة رئيس الوزراء اليمينى المحافظ رجب طيب أردوغان.
وتستند المعارضة، كما يرى عدد من المحللين السياسيين الأتراك فى تظاهراتها، على عدد من القضايا التى باتت تمس العقيدة الأتاتوركية والسياسية لتركيا، بدءاً من قصة بناء المُجمع التجارى فى حديقة «جيزى بارك» بميدان «تقسيم» الذى يعد رمزاً للنضال التاريخى اليسارى فى إسطنبول، حيث يرى المعارضون لأردوغان أنه يريد تغيير هويته السياسية بالبناء فيه، مروراً بالبدء فى بناء متحف لتخليد ذكرى أحد معسكرات جنود المدفعية العثمانية فى تقسيم، والبدء منذ عدة أيام فى بناء الجسر الثالث فوق البوسفور الذى أُطلق عليه «جسر سليم الأول» -السلطان العثمانى الذى قاد بناء الخلافة العثمانية فى المنطقة - وهى أمور ترفضها المعارضة وترى فيها مساساً بهوية الجمهورية التركية التى أسسها كمال أتاتورك فى عام 1923.
وعلى الجانب الآخر يرى البعض من السياسيين الأتراك الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، أن ما أعلنته المعارضة من أسباب للتظاهرات المندلعة منذ يوم الجمعة الماضى، مجرد واجهة لحالة الاحتقان التى تسود بين النخبة المثقفة فى المجتمع التركى من اتجاهات حكومة حزب «العدالة والتنمية» بقيادة رجب طيب أردوغان فى عدد من القضايا الأساسية، ومنها الخلاف المحتدم فى البرلمان التركى حالياً حول عدد من نصوص الدستور الذى يجرى الإعداد له وتتعلق بطبيعة نظام الحكم فى تركيا وهويتها السياسية، حيث يسعى الحزب الحاكم إلى تغيير النظام السياسى وتحويله من برلمانى إلى رئاسى مع اقتراب نهاية مدة رئاسة رجب طيب أردوغان الثالثة للحكومة، ونيته ترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة فى 2014.
كما تأتى المسألة الكردية كأحد أسباب الاعتراضات القوية الموجهة لأردوغان الذى منح الأكراد عدداً من التسهيلات غير المسبوقة منذ تأسيس الجمهورية التركية، ومنها؛ إنشاء محطة تليفزيون وإذاعة خاصة بهم والسماح بتدريس اللغة الكردية فى المدارس وجعلها من المواد الاختيارية للطلاب والسماح باستخدام اللغة الكردية فى التقاضى أمام المحاكم وإنشاء جامعة كردية، وهو ما ترفضه المعارضة وتراه عنصراً هادماً للعقيدة التركية التى تؤكد أن الشعب التركى قومية واحدة لا تتجزأ، وعلى الرغم من عدم كونه سبباً أساسياً للتظاهر، فإن إصدار أردوغان لقوانين مقيدة لتداول الخمور فى تركيا العلمانية منذ عدة أيام، قوبل برفض المعارضة الرافضة لتغيير شكل الدولة.[FirstQuote]
وإذا كانت تلك الأسباب هى المعلنة من قبل المعارضة للتظاهر ضد حكومة أردوغان اليمينية المحافظة، فإن المحللين السياسيين فى إسطنبول يرون أن سبباً آخر غير معلن أحد أهم أسباب حالة الاحتقان المتزايدة ضد الزعيم التركى، ألا وهو ما تسميه المعارضة اليسارية بفشل إدارة الحكومة للأزمة السورية وضلوعها فيها كأحد الأطراف الرئيسية اللاعبة فيها.
وتصف المعارضة الأداء التركى حيال تلك الأزمة بأنه راهن على الخيار الخاطئ بالوقوف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية فى محاولتها إسقاط بشار الأسد ونظام حكمه، وهو ما راهنت عليه تركيا منذ ما يقرب من عامين، دون أن تعى أن قواعد اللعبة السياسية قد تتغير وأن السحر قد ينقلب على الساحر، وبخاصة بعد فشل إسقاط نظام بشار الأسد خلال تلك الفترة.
واستشهد عدد من المحللين السياسيين الأتراك فى تناولهم للمسألة السورية وكونها أحد أسباب الأزمة الراهنة فى تركيا والإشارة إلى إمكانية دعم روسيا لها، رغم عدم التصريح بذلك، بعدد من التقارير التى نشرت فى الصحافة الروسية مؤخراً كاشفة عن اجتماع سرى عُقد فى لندن منذ عدة أيام بين كبار العسكريين فى كل من تركيا والإمارات وقطر والأردن وفرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، لبحث تفاصيل المساعدات التى يجب تقديمها للمعارضة السورية بعد الاعتراف بالائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة السورية كممثل شرعى للشعب السورى، كمقدمة لتزويده بالسلاح بعد إخفاقه فى إزاحة نظام بشار الأسد، وهو الائتلاف الذى تتهم روسيا، الولايات المتحدة بتشكيله وأنه سيكون أحد أسباب فشل مؤتمر جنيف 2 المزمع عقده فى الأيام المقبلة.
على الجانب الآخر توقع محللون سياسيون نجاح حكومة أردوغان فى إنهاء الأزمة الحالية فى الشارع التركى، لكون هذه الحكومة برجماتية تتميز بقدرتها على التراجع فى الوقت المناسب دون التشبث بآرائها، وهو ما اتضح من تصريحات الرئيس التركى عبدالله جول الذى تحدث مخاطباً الجميع بضبط النفس والجلوس لمائدة مفاوضات للوصول إلى حل وسط يرضى جميع الأطراف فى كافة المسائل المعلقة، إلا أن الشارع التركى لم يقل كلمته بعد ولم يتضح إلى أى مدى يمكن تطور تلك المظاهرات، بعد انضمام عدد كبير من الجماهير لتظاهرات تقسيم التى تقودها المعارضة اليسارية، رغم عدم تأييدهم لها بسبب تجاوزات الشرطة فى مواجهة المعارضين، وهو ما يطرح سؤالاً آخر غاية فى الأهمية: من سيقود الأزمة فى هذا الوقت؟ الحكومة اليمينية أم المعارضة اليسارية؟
حكومة أردوغان التى حصلت على نسبة تأييد فى الانتخابات السابقة بلغت 50%، لا تريد أن يتحول «تقسيم» لرمز فى يد المعارضة، كما تعلم أنها على موعد مع تصويت الجماهير فى ثلاث مناسبات حيوية قد تفقدها الأغلبية إذا ما استمر الرفض لسياساتها، وهى انتخابات المحليات فى مارس 2014، وهى انتخابات مهمة ستحدد مدى قبول الحكومة المحافظة فى الشارع، ثم انتخابات الرئاسة فى منتصف العام المقبل، وأخيراً الاستفتاء على الدستور الذى لم يتم التوافق على تعديلاته داخل البرلمان بنسبة ثلثى الأعضاء بسبب الخلاف حول تفسير العلمانية والنظام السياسى للدولة وعدد آخر من المواد، الأمر الذى يستلزم معه طرحه للاستفتاء الشعبى.
لم يخف عن المشهد التركى بالطبع ملامح ما سُمى بالربيع العربى الذى ساندته تركيا ضد أنظمة الحكم السابقة فى البلدان التى قامت فيها الثورات منذ 2011، فلسان حال البعض يقول «داونى بالتى كانت هى الداء» فى إشارة لتشابه الكثير من مجريات الأحداث الجارية على الساحة التركية مع ما شهدته تلك الدول العربية التى سقطت أنظمتها.
فهل يقود الدب الأبيض الروسى دفة الصراع فى المنطقة لتخفيف الضغط على سوريا ومواجهة المد الأمريكى الطاغى فيها؟ أم تنجح تركيا فى تجاوز الأزمة السياسية؟
أخبار متعلقة:
أردوغان.. يفقد عرشه على قلوب الأتراك والمظاهرات تكشف عن «أنيابب الديكتاتور»
بداية النهاية: مظاهرات فى 48 مدينة و1000 معتقل ومئات المصابين
مظاهرات حول العالم بـ12 لغة: أنقذوا تركيا من حكامها
«انسحاب الشرطة» فى تركيا على طريقة «الانفلات الأمنى» فى مصر
«أردوغان» لـ«المعارضة»: أنا قادر على حشد المليونيات أكثر منكم
«مرسى» يصمت أمام المظاهرات.. و«أردوغان»: «الاعتراف بالخطأ فضيلة»
«الجارديان»: ابن أردوغان ورجاله هم المستفيدون من «مشروعات التنمية»
الولايات المتحدة تقود التقارب «الإخوانى التركى» لمواجهة المد الإيرانى وحماية إسرائيل
النباتات تشعل الثورة: فى مصر ضد «بديع».. وفى تركيا ضد «أردوغان»
سياسيون وخبراء: أحداث تركيا ستؤثر سلباً على الإسلاميين بالمنطقة