حملة «تمرد».. لماذا وإلى أين؟!
«من ذاق عرف».. مثل تردده الصوفية من قديم وما زالت تردده حتى الآن.. ويُقصد به أن من ذاق حلاوة الأنس والرضا والطمأنينة والسكينة من خلال الحياة مع الله، ودوام مراقبته، والتقرب إليه بالطاعات وفعل الخيرات، أيقن أنه لا يجب أن ينفك عن هذه المعية أبداً.. ومن ذاق مرارة الحيرة والاضطراب والقلق والتوتر، بسبب الوقوع فى الإثم والمعصية، أيقن أيضاً أنه يجب عليه أن يبتعد عنها وألا يقربها، وهكذا.. هذه هى القاعدة، لكن كما يقال لكل قاعدة استثناء.. فليس كل من ذاق عرف، أو ليس كل من عرف كان لديه الحرص على أن يغترف من معين الرضا أو يبتعد عن مصدر الحيرة والقلق.. فبعض الناس لا يتعلم، أو ليست لديه القدرة على التعلم.. وحتى من تعلم، ربما لا تكون لديه إمكانية استخلاص الدروس والعظات والعبر.
عجيب أمر إخواننا.. فقد ذاقوا على أيدى نظم الحكم الاستبدادية، خلال العقود الماضية، ألواناً شتى من القهر والقسوة والعنف، فضلاً عن حرمانهم من الحرية، ما تفيض به مجلدات.. ولسنا بحاجة لأن نحكى تفاصيل ما جرى، فذلك مدون فى كتب التاريخ وليرجع إليها من شاء.. لكن، ليسأل إخواننا أنفسهم: ما الذى جرى وما الذى فعلوه حتى يكتسبوا هذا القدر من البغض والكراهية إلى هذه الدرجة التى دفعت البعض إلى الهجوم عليهم ورفضهم، وتمنى اليوم الذى يرحلون فيه عن صدارة المشهد؟!
فى الأيام القليلة الماضية، بدأت مجموعات من الشباب حملة جمع توقيعات تحت عنوان «تمرد»، تعبيراً عن الرفض والاحتجاج على سياسة الدكتور مرسى، تستهدف سحب الثقة منه وإجباره على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وكما هو واضح، فالحملة سلمية.. تبتعد عن أى مظاهر عنف، أو استدراج أو تهيئة لأى مظاهر عنف.. هى تتواصل مع الجماهير بشكل مباشر، فى القاهرة والإسكندرية والمحافظات.. فكرة مبتكرة ومبدعة.. حجر ألقى فى بحيرة ماء راكد.. أنعشت الأمل لدى قطاعات كبيرة من الشعب المصرى، بعد أن أصابه الإحباط واليأس.. وكما هو واضح أيضاً، هناك تجاوب كبير، حيث وصل عدد التوقيعات لأكثر من مليونين فى فترة قصيرة.. ومع التواصل، ربما تكون هناك مناقشات وحوارات حول الهدف من الحملة والأسباب والبواعث التى دفعت إليها.. ومن الطبيعى أن تتعرض هذه الحملة إلى هجوم شديد من كل فصائل التيار الإسلامى.. لكن نسى -أو تناسى- هؤلاء أنهم كانوا يجمعون التوقيعات مع الجمعية الوطنية للتغيير عام ٢٠١٠ قبل الثورة، رفضاً واحتجاجاً على ممارسات مبارك ونظامه.. نعم جاء الدكتور مرسى من خلال انتخابات حرة، وهو أول رئيس مدنى منتخب.. لكن -من حيث المبدأ- من حق أى إنسان أو مجموعة أو حزب أو حركة أن تعلن رفضها للأسلوب الذى يحكم به والطريقة التى يدير بها.
لقد فشل الدكتور مرسى فى أن ينال ثقة أطراف الجماعة الوطنية.. بل كان أداؤه سبباً فى انقسام مجتمعى حاد، واحتراب أهلى، وعنف، وقتل، وانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان.. لم يستطع الرجل أن يحقق الاستقرار السياسى المأمول، ولا التعافى الأمنى المرجو، ولا أن يخطو خطوة واحدة تجاه العدالة الاجتماعية، ولا أن يفى بوعوده الكثيرة وعلى رأسها القصاص للشهداء.. ناهينا عن التردد والارتباك فى إصدار القرارات والتراجع عنها أو إلغائها، أو مشروعات القوانين التى تفتقر إلى الدراسة الجادة والموضوعية، مما زاد المشهد السياسى تشابكاً وتعقيداً.. هذا فضلاً عن إسقاط هيبة الدولة بإهدار سيادة القانون، وعدم تنفيذ أحكام القضاء.. نظرة إلى ما حدث قبل فجر يوم الخميس ١٦ مايو ٢٠١٣، من خطف ٧ جنود مصريين والاحتفاظ بهم كرهائن فى مقابل الإفراج عن سجناء -تابعين لسلفيين جهاديين- محكوم عليهم فى جريمة قتل، ثم الاضطراب والارتباك والتخبط فى تعامل الدولة مع الخاطفين على هذا النحو المخجل والمزرى، أقول يعطينا ذلك إحساساً بالضعف والهشاشة والهزال الذى تدار به الأمور فى مصر!
لا أتصور أن حملة «تمرد» يمكن أن تؤدى إلى إسقاط الدكتور مرسى، حتى لو بلغ عدد الموقعين ١٥ مليوناً كما يقولون.. لكنها عبارة عن جرس إنذار قوى.. هى تجميع وتجبيه للرفض على المستوى المجتمعى العام، خاصة بعد حالة الاستقطاب الموجودة، وبعد أن فشلت التظاهرات «المليونية» فى أن تصل إلى أهدافها.. من المؤكد أن الدكتور مرسى لن يستجيب لنداء الحملة، فلن يقدم استقالته ولن يدعو لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، خاصة فى ظل إخفاقاته الكثيرة، وفى ظل تراجع شعبيته وشعبية الجماعة.. أعتقد أن شباب الحملة يعون ذلك جيداً، فقد أصبحوا أكثر وعياً ويقظة وانتباهاً، وقد استفادوا كثيراً من التجارب التى مروا بها.. لذا أحسبهم يمارسون نوعاً من الضغط على الدكتور مرسى، علّه يراجع مواقفه وطريقة أدائه من ناحية، وحتى لا يتصور فى لحظة أنه أصبح مطلق اليد فى أن يفعل ما يريد من ناحية أخرى.