مليجى الإنسان
هل بدأت أحب مليجى؟
الحقيقة أن مليجى يُسمعنى ما لا أسمعه من غيره.
دعك طبعاً من السباب والشتائم البذيئة وتدريبات الحنجرة التى تنجس الفم أربعين يوماً؛ حيث صرت أسمعها من الجميع، لكن أنا أتكلم عن تحليلاته كسائق تاكسى لمختلف (لا مؤاخذة) الأوضاع كما يطلق عليها، ولا أجدعها محلل سياسى، وبلسان المواطن المصرى البسيط الذى لا يخاف سوى من ربنا، ولا يكسر أحد عينه أبداً.
قد أمتعض أحياناً من مليجى بسبب النشاط الملحوظ لغدده اللعابية التى تجعله يبصق فى نهاية كل جملة أسمعها منه (نقطة نقطة)، ويدرك هو ذلك فيناولنى منديلاً، لكنه لا يتوقف عن الالتفات لى فى نهاية الجملة، وفى اللحظة التى يخرج فيها رذاذ لعابه ليمطرنى بالعديد من المشاعر!!
هذه المرة بدا مليجى واجماً جامداً:
- «الدنيا مالهاش أمان يا باشا».
حاولت هذه المرة أن أكون أنا من يتكلم، وأخمن ما الذى يدور فى رأس مليجى فسألته: هل تقصد حملة تمرد؟
- «لا يا باشا.. دول عيال زى الفل هيعلموا عليه بالأدب ويسيبوه للزمن، واللى يغيظك إن ولاد الذين برضه بيهاجموهم.. منظرهم بيتكيفوا م المولوتوف والشتيمة.. حاجة تقرف».
يبدو مليجى معجباً بحملة تمرد التى تجمع التوقيعات لسحب الثقة من «مرسى»:
- «القصة مش قصة إعجاب يا باشا.. دور فى المعنى.. همّ مش هيشيلوه.. هيلخلخوه بس.. وكل شوية حد يلخلخ حتة.. لغاية ما يتخلع خالص زى ما حصل مع مبارك كده.. وانت فكرك مبارك وقع فى 30 سنة؟ لأ طبعاً.. مبارك وقع فى آخر 6 سنين بس».
يبهرنى مليجى برؤيته السياسية، كما يبهرنى بكونه ضد الجميع: إخوان ومعارضة ومبارك.
- «اللى يغيظك كمان إنك تلاقى الواحد من دول زى الشحط، وبيقول لك: دول حبة عيال، ومش هيعملوله حاجة.. طب يا عم لما همّ كده.. بتركز معاهم ليه إلا لو انت تافه»؟!
سألته عن حالة اللخبطة التى نعيشها فقال:
- «إحنا ملكيين أكتر من الملك يا باشا.. بنحكها مع أى حد معاه سلطة حتى لو أمين شرطة فى إشارة، يعنى شفت الامتحان بتاع الخروف؟ المدرس كتب أن قوانين الغابة بتقول إن الخروف ما يبقاش ملك، وجابها فى امتحان إنجليزى.. قوم إيه.. الموجّه وجعته الكلمة وخاف على نفسه واعتبر الموضوع بروح خالته إهانة.. قوم إيه.. راح محول المدرس للتحقيق.. تسمحلى أقول كلمة «أبيحة» يا باشا؟
وهل توجد «أباحة» أكثر من هذه التى نعيشها يا مليجى؟
- «الأباحة اللى على حق بقى إن راجل يدخل ابنه المستشفى، ويفضل ابنه مرمى أربع ساعات لغاية ما يموت.. حصلت فى إسكندرية يا باشا، انت ما قريتش الحكاية ولا إيه؟ والواد يا عينى عنده 11 شهر. بالك يا باشا.. الناس اللى بتموت عشان الدكاترة بيكسلوا يروحوا يشوفوهم فى مصر أكتر م اللى ماتوا فى الاتحادية!! وحياة أمى بيبقى الدكتور مطنش ويتقال له ويفتكرها حالة عادية وأهل المريض بيهولوا، وفى الآخر ناس بتموت م الإهمال.. مش اللى بيعملوا كده يبقوا عالم زبالة برضه ولا انا ابقى هِنت الزبالة؟».
قلت لمليجى إن أصابعك ليست مثل بعضها، وإن الأطباء مظلومون بدورهم، وأغلبهم يقوم بدوره فى ظروف غير آدمية بالمرة، ثم لاحظت عدم اقتناعه فحاولت تغيير دفة الموضوع سائلاً إياه عن سبب مقولته الافتتاحية: «الدنيا مالهاش أمان»:
- لماذا قلت هذا يا مليجى؟
- «أنجلينا جولى يا باشا».
- مالها؟ هل اتضح أنها أعطت صوتها لـ«مرسى» هى الأخرى؟
- «الظاهر كده يا باشا.. بس انت بتتريق وهى فى مصيبة».
سألته ضاحكاً: ليه؟ هل تركها براد بيت؟
فرد فى أسى وهو دامع العينين: هتشيل البتوع.
سألته مندهشاً: بتوع إيه؟
- عندها سرطان فى الثدى يا باشا.
ولم أرد.. دمعت عيناى، وسكتنا عن الكلام حتى نهاية الطريق، لكن مليجى لم يكف عن البصق.