«الوطن» ترصد: سوق الخرطوش والسلاح الأبيض فى وسط القاهرة

كتب: محمود عبدالرحمن:

 «الوطن» ترصد: سوق الخرطوش والسلاح الأبيض فى وسط القاهرة

«الوطن» ترصد: سوق الخرطوش والسلاح الأبيض فى وسط القاهرة

«سرقات وتثبيت واختطاف وترويع للمواطنين»، هذه هى الأعراض الجانبية لحالة الانفلات الأمنى التى تسيطر على الشارع المصرى منذ سقوط دولة الشرطة فى ثورة 25 يناير، حيث ظهرت بديلا للمؤسسات الأمنية «دولة البلطجية»، وانتشرت على أثرها الأسلحة البيضاء والنارية فى كافة المناطق والمحافظات، يحملها البلطجية لترويع ضحاياهم، بل إن بعض المواطنين لجأ إلى تلك الأسلحة لحماية أنفسهم وأسرهم من هجمات الخارجين على القانون، الأمر الذى نتج عنه نمو تجارة الأسلحة بأنواعها على الأرصفة وفى الشوارع والأسواق الشهيرة فى منطقة وسط البلد والأسواق القريبة منها «أسفل كوبرى الأزهر وأمام مقر نقابة المحامين وشارع الجلاء». صندوق خشبى متوسط الحجم موضوع على حامل حديدى يتصل بأربع عجلات صغيرة، تتراص بداخله مجموعة من المطاوى والسكاكين الصغيرة بالإضافة لبعض عصى الخيزران، صنعه صاحبه بهذه الطريقة حتى يسهل عليه طيه فى حالة حدوث «كبسة»، يقف أمامه شاب ثلاثينى العمر طويل القامة أسمر الوجه يجلس بجوار بائع ملابس على بعد خطوات من ميدان العتبة، لا ينقطع صوته عن الترويج لبضائعه بعبارات تتناسب وطبيعة مهنته «أمِّن نفسك وخلى سلاحك فى جيبك»، و«خد سكينة بعشرين جنيه ماحدش عارف بكره هايحصلك إيه». الاقتراب منه يستلزم الشراء ولو قطعة واحدة، أما الحديث معه ثم الانصراف فقد يكلف من يقوم بذلك الكثير، طبقا لما ذكره المصدر الذى اصطحبنا إليه.[FirstQuote] «المطواة قرن الغزال السلاح العريض بـ40 جنيه والخفيفة بـ25، والمطواة السوستة بـ75 جنيه، والخنجر بـ60 جنيه، والسنجة بـ200 جنيه، أما عصا الخيزران اللى جواها سيف فتمنها 350 جنيه، وخد لفتك وارجع لى تانى علشان الراجل حبيبى اللى معاك ده».. هكذا يعرض البائع بضاعته فى إيجاز. وتوجيه الاتهام إلى بائع الأسلحة البيضاء بالاتجار فى بضائع غير قانونية سيكون أمرا غير محمود العواقب، ولكن الاستمرار معه فى الحديث يقوده للدفاع عن نفسه للتأكيد على أن ما يقوم به هو خدمة للثورة -بطريقة تهكمية- وللمواطنين «الغلابة» الذين يتعرضون لاعتداءات البلطجية بشكل مستمر، ولا ينسى التأكيد على معاناته الشديدة من أجل الحصول على بضائعه بأسعار تنخفض قليلا عن التى يبيعها بها «يعنى مكسبنا طول اليوم مش حق علبة سجاير». تجارة «بائع الأسلحة البيضاء» لا تقف به عند هذا الحد، حيث يعتبر أحد أشهر تجار بنادق الخرطوش فى منطقة العتبة -طبقا لما ذكره المصدر- الذى طلب منه إطلاعنا على بعض القطع لشراء واحدة منها، فاصطحبنا البائع إلى محل صغير يبتعد قليلا عن المكان الذى يقف فيه بالأسلحة البيضاء وعرض علينا 10 بنادق خرطوش وصوت تتراوح أسعارها ما بين 800 و1000 جنيه، بالإضافة للعديد من البنادق «الميرى» التى تمت سرقتها من أقسام الشرطة أثناء الثورة بسعر 1000 جنيه فقط للقطعة «بس الزبون يتحمل مسئوليتها».[SecondQuote] مشهد بيع الأسلحة أمام مقر نقابة المحامين على بعد خطوات من مقر دار القضاء العالى لا يختلف كثيرا عن سابقه، حيث يقف «محمود المندور» -الشهير بالرعاش- بائع صواعق كهربائية وزجاجات البودرة المخدرة، لعرض بضائعه على المارة وتجريبها لهم على مرأى ومسمع من الجميع، وعلى الرغم من إبداء عدد من المارة استياءهم الشديد من وقوفه بهذه الطريقة العلنية وترويجه أسلحة بدون ترخيص من شأنها ترويع المواطنين، فإن رأى «عبدالمقصود حسين» الذى اشترى منه صاعقا كهربائيا جاء على عكس ذلك حيث قال بعدما ابتعد عنه لمسافة قصيرة: تجار «الفرشة» الذين يبيعون الأسلحة الصغيرة والصواعق الكهربائية وفروا علينا مجهودا كبيرا فى البحث عن أى وسيلة ندافع بها عن أنفسنا وأسرنا بعد انتشار عمليات التثبيت والبلطجة فى ظل الغياب التام للشرطة، خاصة أن أسعار الصواعق التى تباع على الأرصفة أرخص بكثير من تلك الموجودة داخل المحلات الرسمية والتى لا تزيد أسعارها عن 120 جنيها للصاعق الكورى و35 جنيها لزجاجة الرش المخدر.[SecondImage] «لا يوجد سوق أو شارع عمومى يخلو من تجار الأسلحة البيضاء الذين يتخذونها ستارا لبيع الأسلحة النارية والبنادق الآلية وغيرها لصالح بعض كبار تجار السلاح».. يستطرد محمد عبدالتواب، موظف (58 سنة)، التقيناه فى سوق شارع الجلاء العشوائى على بعد خطوات من أحد بائعى السلاح الأبيض: الأجهزة الأمنية تعلم أن بائعى السلاح الأبيض والصواعق وغيرها مسئول رئيسى عن أحداث البلطجة التى تقع طوال اليوم لأنهم المورد الرئيسى للسلاح لهؤلاء البلطجية، أما المواطن البسيط الذى يزعمون أنه يشترى منهم الأسلحة لحماية نفسه، فلا يتوافر معه ثمن المطواة أو الصاعق، بالإضافة إلى أنه لا يجرؤ على حملها. لافتة صغيرة من ورق الكرتون مكتوب عليها «احمى نفسك يا بيه بعشرة جنيه»، رفعها شاب لا يتجاوز عمره العقد الثانى على فرشة لبيع الأسلحة البيضاء أمام محطة مترو محمد نجيب فى اتجاه شارع البنك الأهلى، يقوم بعرض بضاعته على المارة ومعه عدد من «صبيانه» يؤكد فى هتافاته على أنها محلية الصنع وبسعر أرخص من غيره، لا يجد حرجا من الحديث إلى كل من يتوجه إليه بالسؤال بلغة تشير إلى اعتزازه بعمله فى تلك المهنة خاصة أن دوافعه وطنية -على حد قوله- حيث يقول: أنا طالب فى كلية الخدمة الاجتماعية ولا أجد حرجا فى العمل بأى مهنة أستطيع أن أحصل منها على رزق يومى حتى وإن كانت بيع المطاوى والسكاكين.[ThirdQuote] ويضيف: أقف فى هذا المكان منذ 6 سنوات تبادلت خلالها بيع العديد من البضائع حسب حاجة السوق، لذلك قررت منذ حوالى سنة ونصف بيع الأسلحة البيضاء التى أحصل عليها من ورش الخراطة فى وسط البلد بعد ملاحظتى لسؤال العديد من الزبائن على أماكن بيعها: «والحمد لله الدنيا ماشية وببيع فى اليوم حوالى 15 حتة لزباين شكلهم ولاد ناس ومحترمين». وعن الطريقة التى يحصل بها على بضاعته قال: ورش الخراطة والحدادة فى منطقة وسط البلد تعتبر المصدر الرئيسى لتصنيع تلك الأسلحة، والشراء منهم يتطلب التواصل معهم عن طريق أحد الأشخاص المعروفين لهم، ولا يمانعون فى الحصول على ثمن البضاعة على أقساط.