الصحافة المصرية تحتضر
- أخبار اليوم
- أسعار الدروس
- ارتفاع أسعار
- الأب الروحى
- التواصل الاجتماعى
- الخديو إسماعيل
- الدروس الخصوصية
- الشرق الأوسط
- أبناء الوطن
- أبو
- أخبار اليوم
- أسعار الدروس
- ارتفاع أسعار
- الأب الروحى
- التواصل الاجتماعى
- الخديو إسماعيل
- الدروس الخصوصية
- الشرق الأوسط
- أبناء الوطن
- أبو
الصحافة المصرية الآن عل المحك، فهى بصدد الاختبار الأخطر والأصعب فى تاريخها، بعد اختبار تأميمها فى العهد الناصرى، وعلى المخلصين من أبناء الوطن إنقاذها، لأنها تمثل العمود الفقرى فى الثقافة والفكر فى مصر، وينبغى أن تعود إلى سابق مجدها.
ففى وقت من الأوقات كانت صحيفة «الأهرام» اليومية هى خامس صحيفة على مستوى العالم فى الأهمية، وكان كل المثقفين فى العالم العربى ينتظرون الصحف المصرية، لكى ينهلوا ما فيها من فكر وثقافة وعلوم وشعر وأدب وقصة وأخبار أيضاً.
وكان روتين كل مصرى فى الصباح هو شراء الصحيفة، ثم الذهاب إلى عمله، وفى يوم الجمعة كان يصطحب «الأهرام» مع البطيخة فى الصيف عائداً إلى بيته أو «أخبار اليوم» فى يوم السبت، وكان لكل موظف أو قارئ كاتب مفضل لا يترك له مقالاً.
الصحافة المصرية كانت الأقدم والأبرز فى منطقة الشرق الأوسط كله، فقد بدأت الصحافة المصرية فى عهد محمد على، وازدهرت فى عهد الخديو إسماعيل الذى يُعد الأب الروحى للصحافة المصرية، حيث صدرت فى عهده 23 صحيفة، وبدأ فى عهده الازدهار الكبير للصحافة الأهلية «الخاصة».
وفى هذه الأيام، دخلت الصحافة المصرية غرفة الإنعاش، حيث إنها فى مرحلة الموت الإكلينيكى، خصوصاً الصحافة الورقية، خاصة بعد ارتفاع أسعار الورق الذى يُستورد من الخارج، فهناك خمسة مصانع فقط للورق فى مصر، اثنان منها منذ الستينات والثلاثة فى التسعينات، مع أن صناعة الورق والأخشاب فى منتهى السهولة فى بلد يملك صحارى ممتدة وصرفاً صحياً يصلح للغابات.
وهذه الزيادة فى أسعار الورق ستؤدى إلى زيادات بنسبة 77% فى تكلفة الصحيفة تقريباً لا تتحمّلها الصحافة المصرية، فضلاً عن صناعة الكتب، ويُعد ارتفاع سعر الورق بمثابة القشة التى قصمت ظهر الصحافة الورقية المقصوم ظهرها أصلاً.
فهناك صحف مصرية توزع أقل من ألف نسخة، وهناك أخرى توزع أقل من 500 نسخة، وهناك مجلات نسبة المرتجع منها أكثر بكثير من المبيع، فإذا قسمت الألف نسخة المبيعة على مائة مليون مصرى، فماذا سيكون نصيب المصرى الواحد منها، فى الوقت الذى توزع فيه بعض الأمريكية فى طبعتها الأولى عدة ملايين نسخة؟!.
تُرى ماذا سيكون سعر الجريدة فى مصر لتغطية هذه الزيادات؟ وأى خسارة ستلحق بهذا القطاع الثقافى المهم إذا لم يتم إنقاذه؟ فهذا القطاع يعمل به 50 ألف مصرى، منهم 20 ألف صحفى؟.
أزمة الصحافة المصرية ليست اقتصادية فحسب، لكنها أزمة مهنية، فمستوى الصحافة المصرية الآن دون المستوى، وليس فيها كاتب واحد ينتظر المصريون أو العرب مقاله كما كانوا ينتظرون مثلاً عبدالوهاب مطاوع فى «بريد الجمعة» كل أسبوع، لقد دخل التوريث فى كل شىء، ومنها الصحافة، مما أدى إلى نقص الكفاءة بشكل لافت، يمكنك فى بعض الصحف القومية أن تحصر الذين يعملون بجد واجتهاد ومهنية، ستجدهم ثلث أو ربع العدد فقط، والباقى عالة على الجريدة.
كما أن الصحافة المصرية تعانى الآن من أزمات أخلاقية حادة يعرفها كل الصحفيين تقريباً، لكنهم مثل كل المؤسسات لا يريدون نقد أنفسهم أو إصلاح بيتهم، فقد أدهشنى صحفى شاب فى إحدى الصحف الخاصة بقوله: إنه يكتب المقال لرئيس التحرير الذى ينشر باسم الأخير، وإن بعض زملائه النابهين فى تخصصات أخرى يفعلون ذلك أيضاً مع رئيس التحرير.
قلت له: ما الذى يجبرك على ذلك؟ فقال: لو لم أوافق سيكون الشارع مصيرى، ولن أجد عملاً أو قوتاً لأولادى، فالصحف تغلق أبوابها الآن وتطرد معظم صحفييها بطريقة أو بأخرى، ونصف الصحفيين الشبان فى الصحف الخاصة لا عمل لهم.
وآخر يسافر من بلدته التى تبعد عن القاهرة أكثر من مائة كيلو ليُجرى التحقيقات ويكتب المقالات، ومعظمها يوقعه رئيس التحرير باسمه، ورغم ذلك يعامله معاملة سيئة، إلا أنه راضٍ وسعيد، رغم أن راتبه هزيل للغاية ولا يقبله الفرّاش فى أى مؤسسة راقية أو محترمة.
وصاحبنا هذا صابر على الذل من أجل شىء واحد هو أن يُعتق فى يوم من الأيام بدخوله نقابة الصحفيين التى سترحمه من هذا السجن الكبير، لكن رئيس التحرير يماطل فى عتقه.
إنه تكرار مقيت لما حدث قديماً مع رئيس تحرير جريدة قومية كان عدد الذين يكتبون له أكثر من الذين يقرأون له، كنا جميعاً نتصور أن هذه الظاهرة قد انتهت، لكنها عادت الآن بطريقة فجة فى بعض الصحف الخاصة للأسف.
أما المجتمع المصرى، فقد زادت فيه نسبة الأمية بكل معانيها بعد ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية واعتماد التعليم عليها، أما نسب القراءة والاطلاع فقد انخفضت بشكل ملحوظ، ولم تستطع الصحف جذب قطاع الشباب الذى وجد ضالته فى شبكات التواصل الاجتماعى، الذى يعتبر إعلاماً خاصاً لكل فرد يختار فيه لنفسه ما يشاء.
وأخيراً، فحينما تموت الصحافة الحرة فى بلد، سيموت فيه كل شىء.