"مواجهة التشدد وغياب التنظيم".. أبرز أزمات الصوفيين بدمياط بعد ثورة يناير
الأضرحة
شهدت محافظة دمياط، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، تراجع الطرق الصوفية عن إقامة الموالد والتي كانت عادة سنوية من ذي قبل، ورغم وجود كتلة صوفية لا تقل عن 10000 من المتصوفة، واشتهار دمياط بانتشار الأضرحة والمقامات كالشيخ شطا وأبوالمعاطي والشيخ أصيل وغيرهم، إلا أنه لم تعد تقام إلا حضرة مولد أبو المعاطي في شهر شعبان من كل عام، علاوة على لقاء أسبوعي يجمع شيخ مشايخ الطرق الصوفية بدمياط بعدد من المتصوفة ويتركز التكتل الصوفي في دمياط بالقرب من الأضرحة والمقامات.
ويقول محمد أبو قمر، كاتب في تاريخ دمياط المعاصر ومؤلف كتاب "الصوفية في ثغور المشرق العربي.. دمياط نموذجا": "يبلغ عدد الطرق الصوفية المتبعة فى دمياط 10 طرق وهم (الشبراوية - الرفاعية - البرهامية الدسوقية - النقشبندية - الشاذلية - الشاذلية القوقجية - المدنية الشاذلية - الخضراوية - الشناوية الأحمدية - الشاذلية الحميدية - الخليلية (طريقتان، وجمعية) - الجعفرية الأحمدية - الجيلانية - العروسية - القاديانية - العزمية الشاذلية - طريقة الشيخ محمود أبو حسين)، مضيفا أن في فترة الثمانينيات هاجم عدد ممن يتبنوا الفكر الوهابي في دمياط "المتشددين" عددا من الأضرحة كما تمت إزالة عدد من الأضرحة، علاوة على مهاجمتهم الموالد في تلك الفترة حتى اضطرت الأجهزة الأمنية لمنعها خوفا من حدوث تواترت وقلاقل وقتل وتخريب في فترة الثمانينيات.
وتابع أبو قمر، في تصريح لـ"الوطن"، هاجم المتشددون ممن انتموا لـ"الجماعة الإسلامية" الأضرحة ومنع إقامة مولد أبو المعاطى الشهير لأول مرة حينها كما ألقت الأجهزة الأمنية على عدد من المتورطين في الحادث، واضطر عدد كبير من المتصوفة للإقامة في المناطق العشوائية كقرى "السيالة والعنانية وقرى خارج المدينة" هربا من اضطهاد المتشددين لهم أما حاليا فلا يقام سوى مولد أبو المعاطي على استحياء في شهر شعبان من كل عام لمدة أسبوع من قبل الرفاعية.
ويضيف أبوقمر: "مع تكتل السلفيين في قرية شطا تم إلغاء مولد الشيخ شطا والشروع في هدم الضريح ومنع المولد عقب ذلك في الثمانينيات لخروج عدد من المنتمين للفكر الوهابي من المعتقلات وإقامتهم بالقرب من الضريح"، وبحسب تقدير أبو قمر فيبلغ عدد المتصوفة نحو ربع سكان المجتمع الدمياطي ولكنه بصورة غير معلنة ولا يمكن إعلانها في احصائية رسمية، مضيفا أن المتصوفة أشخاص مسالمين دائما ما يشعرون بالاضطهاد والتهديد وأنهم منبوذون ومهاجمون وسبق تكفير العديد منهم وتهديدهم من قبل متشددين".
ويرى أبو قمر أنه تمت استمالة عدد من الموالين للصوفية في دمياط من قبل سلفيين حيث تم إغراؤهم بالمال والتوظيف ووعود بتحسين مستواهم الاجتماعي وتوفير نوع من التكافل الاجتماعي، خاصة وأن أغلب الصوفيين بسطاء عدا المشايخ، وبالفعل استجاب عدد من المتصوفة لدعوات السلفيين وباتوا ممن يعتنقون الفكر السلفي ويظهر ذلك جليا في المناطق المحيطة بالأضرحة وعلى سبيل المثال "شطا - أبو المعاطي - أبو الوفا والشيخ العياشي وسوق القنطرة دائرة قسم أول دمياط" ويعمل أغلب الصوفيين بمهنة النجارة وصناعة الأثاث أو موظفين من طبقة متوسطى الدخل، أما الأغنياء فهم المشايخ ويتجارون في الموبيليا والأراضي، ومن أبرز الأضرحة بمحافظة دمياط "أبو المعاطى - الشيخ شطا - شيخ سعيد الشهاوى - الشيخ أبوجريدة والشيخ سديد".
يرى أبو قمر أن عددا قليلا من المتصوفة خرجوا عن طبيعة الصوفية المسالمة وتم استقطابهم من جانب الشيعة، مضيفا أن الصوفيين لا يمتلكون جمعيات خيرية وليس لهم صورة تنظيمية كالسلفيين أو الإخوان حتى الآن ولا يخصص لهم أموال كما أنهم دائمو التردد على مشايخهم كي يعرضوا مشكلاتهم عليهم ويطالبونهم بحلها وقد يتردد عليهم من ليسوا بمريديهم وعقب ذلك ينضموا للصوفية لحسن معاملة المشايخ ولخلق نوع من الراحة النفسية لديهم.
ويضيف أبو قمر: "ينشأ التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء في وجود التجمعات الصوفية حول مشاخيهم ويعمل الشيخ على إيجاد حالة من السلام مع النفس لدى المريد كما يساعدون الفقراء ويلعب دور الطبيب النفسي فيهرب الفرد من المجتمع الصاخب لمجتمع آخر أضيق وأكثر سلاما وأهدأ حتى زاد عدد الموالين للصوفية فى دمياط عقب ثورة 25 يناير نظرا لما لعبه الصوفيون من دور اجتماعي بارز.
وأكد أبو قمر عدم استغلال صوفية دمياط المال في نشر الفكر الصوفي، حيث يختفي مفهوم التجنيد بل زاد عدد المريدين بسبب التكافل ومحاولة البعض الهروب من مجتمعهم الصاخب بلجوئهم إلى الله وتوجد حلقة تواصل بين صوفيي دمياط والتنظيم العالمي دون تمويل أو دعم مادي، أما الحشد أو النصرة فيتواجد بوجود الشيخ الذي يُعد كلامه بمثابة أوامر لهم.
ويضيف أبو قمر: "تمثلت طرق الحشد بالنسبة للصوفيين في المواليد، حيث كان ينظمون نحو 30 مولدا وحاليا بات مولد واحد فقط يقام وهو أبو المعاطي، كما توجد خدمات لكل طريقة، ويقوم المقتدر من المتصوفة بالدعم بالمال أو الدعم العيني في شكل خدمات كالأرز والسكر أو ماديا أو اللحوم أو الدواجن على حسب كل طريقة وقدرة كل واحد، كما يسيطر على الموالد في دمياط من يأخذ صفة شيخ مشايخ الطرق الصوفية، أما حجم الأموال والممتلكات فلا يستطيع أحد حصرها على وجه الدقة، فقد تصل إلى مئات الملايين سنويا في الحسين، والسيدة زينب بالقاهرة، والبدوي بطنطا، والدسوقي بدسوق، أما أنواع النذور فعديدة فمنها من يضعها المريد في الصندوق مع أمنياته، ونذور خارج الصندوق للقائمين على المقام، أو تسلم للشيخ مباشرة، لقبول التوبة، أو تبيض لأعمال غير شرعية، والتي يقدمها للشيخ مبالغ كبيرة وربما عينية رجال الأعمال وهناك عينية تقدم لخدم المقام، أو للمسجد والمقام، كمفروشات وتجهيزات، وهي كتبرعات المدارس تنزلق للجيوب، ولا تسجل عهدة أو غيره".
وبدوره، قال الشيخ إبراهيم حمص، شيخ مشايخ الطرق الصوفية في محافظة دمياط، في تصريح لـ"الوطن": "لم نتعرض لأي مضايقات من السلفيين وبتنا لا ننظم أي موالد منذ ثورة 25 يناير، واكتفينا بتنظيم فقط حضرة مولود أبو المعاطي في الفترة من 8 حتى 14 شعبان نظرا للظروف التي تمر بها الدولة منذ فترة خشية ويبلغ عدد المتصوفة نحو 10 آلاف في محافظة دمياط".
ونفى حمص ما تردد عن وجود استغلال مال الصوفية، مضيفا: "أي مولد أحضره بنفق من جيبي الخاص ولا توجد أي مصادر تمويل أو تبرعات ولا أتقاضى أي راتب، أما عن صناديق النذور فيحصل أموالها الأوقاف ولا ننظم أي أنشطة اجتماعية ولا توجد جمعيات تتبعنا وننظم حضرة أسبوعية نقرأ قرآن ونوزع نفحات مرة أسبوعيا".
ونفى حمص ما تردد عن استقطاب السلفيين للمتصوفة من البسطاء استغلالا لحاجتهم المادية، مضيفا: "الصوفي على عهده ليوم الدين ولا يوجد مال صوفي حتى نستغله في نشر الفكر أو عمل سياسي.
وتابع حمص قائلا: "لا يوجد دعم خارجي، والدكتور عبدالهادي القصبي، شيخ الصوفية ورئيس المجلس الأعلى الصوفي، وعضو مجلس الشعب ويتواصل معي بين الحين والآخر ونلتقي في مولود الحسين، ونفى حمص أي ارتباط بين المتصوفة والشيعة كما نفى وجود أي حشد ولا نجبر أحدا كي ينضم للصوفيين، ومن يطلق عنا الشائعات منافقون يريدون عمل فتنة وننظم كل احتفالاتنا على حسابنا الخاص".