«أم تشة».. زبّالة نص الليل: «المطوة بدل المقشة»
أم تشة
تستيقظ فى منتصف الليل، تتسلل على أطراف أصابعها وكأنها لص محترف، تستدير بوجهها البائس نحو أولادها، تقترب منهم؛ كى تطمئن أنهم ما زالوا غارقين فى سبات عميق، ترتدى عباءتها السوداء وتحضر جوالها الكبير و«مطوتها»، حيث وضعتهما فى ركن ناءٍ تحت السرير، بمجرد أن تخترق باب المنزل تتحول إلى طائر حر يرفرف بجناحيه مسرعاً، تقصد كافة مقالب القمامة المحيطة بها كى تمارس عملها الشاق الذى اعتادته منذ 21 عاماً.
منطقها فى العمل الليلى: «خيره بيبقى أكتر»
«أم تشة»، هكذا اشتهرت فى منطقتها الدويقة، وتحديداً شارع التلاتات، لا يعلم أحد على وجه الدقة اسمها الحقيقى، ولا تفصح هى عنه، تبتسم ابتسامة لا تخلو من دهاء وهى تقول: «ده دلع ابنى البكرى، وبحب الاسم ده».. تقف بمفردها لا يؤنسها شىء سوى نجوم السماء، تتفحص أكياس القمامة بحرص، تأخذ منها ما يصلح للاستخدام، بالإضافة إلى الكرتون وقطع البلاستيك والحديد، ثم تمضى، اعتادت الأمر منذ انفصالها عن زوجها، الذى انفصل أيضاً عن التزامات أسرته وأبنائه، وترك عبء 3 أبناء تتحمله «أم تشة» وحدها، تخرج مع انتصاف الليل ولا تعود قبل السادسة صباحاً، قد يظنها الغريب إحدى فتيات الليل أو بنات الهوى، لكن بنظرة متفحصة لهيئتها وتتبع بسيط لرحلتها تعلم مقصدها، وتعرف سر «المطواة» التى لا تغادر يدها، تحت شعار رفعته لنفسها ولم تسره عن الغرباء: «عشان أحمى شرفى ورزقى».
للخروج فى منتصف الليل مبرر، توضحه السيدة التى قاربت على الخمسين: «الوقت ده مش بيكون فيه زبالين والناس بتكون لسه رامية زبالتها، فالشغل بيكون أحسن، ببيع الكرتون والبلاستيك بالكيلو ولو لقيت جلابية أو شبشب باخدهم ألبسهم أنا وعيالى».
مخاطر كثيرة تعرضت لها «أم تشة» أثناء ممارسة عملها تمثلت فى البلطجية الذين يتهجمون عليها، أيضاً تعرضها للسرقة مرات عديدة، ورغم ذلك فإن عملها لم يخلُ أيضاً من بعض المشاهد المؤلمة التى ترسخت فى ذاكرتها: «كنت على مقلب زبالة فى زرزارة ولقيت عيل مكملش يوم فى الزبالة وبيطلع فى الروح خدته وسلمته للشرطة، وعيال كتيرة شفتها ميتة ومرمية فى الزبالة».