بروفايل.. رفعت السعيد.. جعلونى معارضاً
لا يحتاج المرء لوقت طويل حتى يدرك من أول وهلة أن الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، ليس شخصية سهلة على الإطلاق. سوف تكشف النظرة الأولى عن جسد نحيل، وقامة قصيرة، ووجه متغضن، وعينين مختبئتين خلف زجاج نظارة طبية تضفى على اليسارى العتيد غموضاً فوق الغموض، وتجعل من محاولة النفاذ إلى ما يدور خلف جبهته العريضة ضرباً من المستحيل.
ربما يرجع السبب فى ذلك إلى طبيعة الحياة التى تقلب فيها السعيد منذ طفولته. بالتحديد منذ أن اتخذ ابن المنصورة المولود فى 1932 قراره بالانضمام إلى تنظيم شيوعى وهو لم يكد يبلغ عامه الخامس عشر بعد. الأمر الذى فرض عليه أن يتخذ لنفسه اسماً حركياً، وأن يطبع المنشورات الحماسية فى حجرة صغيرة بمنزل العائلة دون علمها، وأن يتعامل مع رفاقه من أعضاء التنظيم السرى دون أن يعرف أسماءهم، أو يسمح لهم بأن يعرفوا اسمه. حياة تحت الأرض علمت الشاب الصغير أسلوبا خاصا ألزمه أن يحيا عمره كله بشخصيتين واسمين وعشرات الوجوه والأقنعة.
يطل السعيد على الجميع بوجه معارض سياسى شرس للنظام. فهو رئيس لأقدم حزب يسارى فى مصر. وهو صاحب تاريخ فى النضال الوطنى وقت أن كان هناك «نضال» و«وطنى». وهو خريج السجون التى تنقل بينها فى عهود الملكية والجمهورية، وهو خصم السادات الذى رأى فى حزب التجمع ورئيسه خالد محيى الدين وأعضائه تجاوزاً عن خط المعارضة المرسوم منذ سمح للأحزاب بالتشكيل، وللجماعات السرية أن تعمل فى النور. وهو أيضاً خصم مبارك الذى أراد أن تكمل الأحزاب المعارضة الصورة اللطيفة للدولة العصرية: حكومة من حزب الأغلبية تهاجمها أحزاب معارضة، بينما يراقب هو المشهد من عل ويُشهد العالم على أزهى عصور الديمقراطية التى تعيشها مصر.
شفرة خاصة استطاع السعيد أن يلتقطها ويفهمها ويتعامل بها مع النظام السابق حتى من قبل أن يتولى رئاسة حزب التجمع، وقت أن كان لا يزال أميناً عاماً له. يظهر الوجه الآخر الذى يمكنه من دخول مجلس الشورى معيناً، ويكتب مقالات فى الصحف القومية، ويعارض الحكومة دون الاقتراب من رئيس الجمهورية، ويهاجم الجماعات «المتأسلمة»، ويدخل معارك مع رموز اليسار داخل الحزب، فينتهى بها المطاف وقد تقدمت باستقالاتها من الكيان السياسى الذى يجمعها بالدكتور فراراً من رائحة تزكم الأنوف تنتشر فى شارع «كريم الدولة» حيث يقع المبنى التاريخى لحزب التجمع.
لم يكن غريباً بعد ذلك أن يخرج رفعت السعيد ليعلن فى بداية الثورة أن الحزب لن يشارك فى المظاهرة التى ستخرج يوم 25 يناير احتراماً للشرطة ولعيدها. ثم بعد أن تشق الثورة طريقها إذا به يدخل فى حوار مع عمر سليمان، نائب الرئيس، مستعيداً وجهه القديم كمعارض شرس، ولا يتخلى عن ذلك الوجه حتى يرحل مبارك، فيتابع مهاجمة الإخوان المسلمين والسلفيين بنفس الحماس القديم. ويدخل طرفاً فى لعبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية مستعيداً وجه المعارضة اللطيفة، قبل أن يعاوده وجه المعارض الشرس فيعلن انسحابه من الجمعية التأسيسية التى تتشكل الآن تاركاً خلفه عشرات من علامات الاستفهام التى تتساءل عن أى وجه يأتى فى الطريق؟