ربما يكون أصدق تعبير اختاره الرئيس مرسى فى حواره التليفزيونى الأشهر مطلع الأسبوع الماضى هو «جلدى تخين ولا أتأثر بأى شىء».. فحتى الآن لم يدرك زعيم الأهل والأحبة والعشيرة على مدى ثمانية أشهر أمضاها فى قصر الاتحادية الجمهورى أن كل إنجازاته التى تحققت عبارة عن وعود وقرارات أشبه بـ«اليويو» التى تنطلق كرتها المربوطة بخيط رفيع من نقطة لتعود إليها فى غمضة عين!!
ويبدو أن الرئيس لم يستطع حتى الآن أن يتخلص من إحساس «الاستبن» وأن عليه السمع والطاعة لكل ما يصدر عن مكتب الجماعة فى المقطم وأنه مطالب بسداد فاتورة «إسكانه» فى القصر الجمهورى.. إذ إنه فى نفس اللحظة التى يشعر فيها بأنه «عتريس» -فى رائعة السينما المصرية «شىء من الخوف»- يتراجع ليعود إلى موقعه «الريس حنفى» فى فيلم «ابن حميدو» عندما يسمع صوت الزوجة تصرخ: «حنفى»، لينزل بكلمته إلى الأرض هذه المرة!!
مشكلة الإخوان أن إحساسهم بذاتهم قد تضخم إلى الحد الذى يرون فيه أنفسهم أنهم هم فقط الصواب وأن ما عداهم هو الخطأ والخطيئة وأن حرفى «الألف واللام» اللذين يسبقان اسم جماعتهم يمنحانهما الحق فى أن يمسكوا بأيديهم صكوك الوطنية والغفران، فلم لا؟! وهم الإخوان المسلمون وما عداهم فهم من كفار قريش وأحفاد أبولهب!!
إحساس الجماعة بأنهم انتقلوا من ظلام المعتقلات إلى صدارة المشهد قد راكم عندهم الشعور بالاستعلاء والغرور فأعملوا آلة الإقصاء والاستئصال وإعادة فرز المجتمع بين مسلم مؤمن بأفكارهم ومعتقداتهم ومشروعهم السياسى -إذا كان لديهم مشروع سياسى بمعنى الكلمة- وبين كافر رافض لتلك الرؤية الضيقة!
لم يدرك الإخوان أنهم بعد أن كانوا مطاردين أنهم قد أصبحوا فى مقاعد الحكم وأن لهم شركاء فى هذا الوطن الذى يستلقى على خرائط «أطلس الجغرافيا»، ويردد صغاره فى طابور الصباح «بلادى.. بلادى».. ولم يستوعب أعضاء الجماعة أن إدارة دولة تختلف كلياً عن تنظيم جماعة، وأن تعظيم إقصاد الوطن يختلف كلياً عن مضاعفة «زكاة أفراد».. ولم يبد أى من هذه الجماعة شجاعة فى الاعتراف بالفشل الذى يحيط بإدارتهم لشئون البلاد التى أصبح مواطنوها يئنون صباحاً ومساء!
انشغل الأهل والأحبة والعشيرة بمشروعهم بالانتقام من المجتمع وأغرقوا معهم قطاعاً عريضاً من المواطنين -الذين انطلقت الثورة من أجل توفير الحد الأدنى للحياة الآدمية لهم- فى موجات متلاحقة من التخبط والارتباك ولم ينتبهوا أنهم بممارستهم هذه قد استنسخوا نظاماً سابقاً كان «هذا القطاع» بالنسبة له ذنباً لم يغفره الله سبحانه وتعالى!!
فى النهاية فإن اعتراف الرئيس مرسى، مندوب الجماعة المؤقت فى القصر الجمهورى، طواعية بأن جلده «تخين» قد فسر ذلك التجاهل لأصوات الجماهير الغاضبة التى انطلقت فى مدن القناة وبعض محافظات الدلتا بعد أن تخيل البعض أن التفسير الوحيد لتلك الحالة التى وصل الهتاف فيها إلى أسوار قصره أن الرئيس «سمعه تقيل»!!