أباطرة الاحتكار

فتح ملف الاحتكار، على هامش أزمة ألبان الأطفال، أمر شديد الإيجابية، المهم ألا تكون المسألة مجرد حديث عابر لتفسير أو تبرير موقف معين يخص دخول القوات المسلحة كمستورد للألبان بهدف حل الأزمة، لأن ملف الاحتكارات من الملفات التى أجد أن الدولة تلكأت كثيراً -ولم تزل- فى التعامل معها. فعندما يرتفع سعر سلعة معينة عليك ألا تبحث فقط عن القرار الحكومى الذى يقف وراءها، بل من المهم والضرورى أن تفتش عن الإمبراطور الذى يحكم ويتحكم فى سوق السلعة.

الكل يعلم أن سوق السلع -أياً كانت فى مصر- يتحرك بقرارات مجموعة من الأباطرة الذين يتحكمون فى مستويات ضخها، وأيضاً فى تسعيرها. والمحتكر يستطيع أن يحدد سعر السلعة كما شاء وشاء له الهوى، لأنه ببساطة المصدر الوحيد أو الأبرز لها. على سبيل المثال نحن على مقربة من عيد الأضحى، وسعر اللحوم اقترب من حاجز الـ100 جنيه فى أماكن، وتجاوزها فى أخرى، وأسعار اللحوم الواقفة، تتأرجح ما بين الـ35 والـ45 جنيهاً. رغم أن الأسعار فى دول المصدر متدنية للغاية، ففى دولة كالسودان وغيرها أسعار اللحوم زهيدة للغاية، حتى بعد إضافة قيمة النقل والضرائب وخلافه. من هذه الدول يقوم المحتكر بالاستيراد، ولأنه يسيطر على السوق فإنه يبيع بالسعر الذى يرتئيه. الحكومة من ناحيتها تعلم ذلك، وهى تحاول أن تعالج بأسلوب عجيب، إذ تحاول أن توفر لحوماً بطرقها الخاصة لتوزعها على الفقراء بأسعار معقولة، لكنها فى كل الأحوال تبدو أليفة ومستأنسة مع هؤلاء الأباطرة.

هذه القاعدة تنطبق على سلع عديدة، من بينها على سبيل المثال «السكر» الذى ارتفعت أسعاره خلال الأسابيع الأخيرة بصورة ملفتة، ولو فتشت عن الأسباب فسوف تنتهى إلى الإمبراطور الأكبر الذى يحكم سوق هذه السلعة. الحكومة -كما ذكرت لك- تحاول العلاج من خلال طرح السلعة التى يغلو ثمنها بأسعار فى المتناول، لكننا لم نسمع أنها تحركت ضد محتكر واحد وحاولت الأخذ على يديه، ربما كانت معذورة فى ذلك، بسبب القوانين التى صدرت فى عهد «مبارك» ووافق عليها مجلس شعبه بحماية الاحتكارات والمحتكرين، لكن يبقى أن الزمان اختلف، وذلك من زاويتين، الزاوية الأولى أن هذا البلد قامت فيه ثورتان، نادت أولاهما بشكل صريح وواضح بمحاربة الفساد، وجوهره الاحتكارات، لأن وراء كل محتكر سلطة من نوع ما تحميه، الزاوية الثانية أن المواطن لم يعد «حمل» هذا النحر الممنهج فى معطيات معيشته. أنا أفهم أن الحكومة تفرض الضرائب وتتخفف من الدعم فترتفع الأسعار، لرغبتها فى سد العجز فى الموازنة، لكن ما لا يستطيع أحد أن يستوعبه أن تضع الحكومة المواطن -بالإضافة إلى ذلك- تحت مطرقة الاحتكارات!.

كلام طيب ذلك الذى سمعناه عن ضرب الاحتكارات، حبذا لو ينفذ، وقد لا أبالغ إذا قلت إن ذلك هو واجب الوقت بالنسبة للسلطة الحالية، ووراء ذلك عدة أسباب، أولها أن مواجهة الاحتكارات سترحم المواطن وتجعله قادراً على استيعاب برنامجها فى الإصلاح الاقتصادى، وثانيها أن معركة الاحتكارات تعد الجولة الأهم فى معركة الفساد، وثالثها القاعدة التى تقول «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد»، وهذا الموضوع لا يحتمل التأجيل، لأن غداً بظهر الغيب..!.