(1)
مصر 1971
اهتز جسد السادات بشدة وهو ينتحب، واقفاً مع عدد من الضباط الأحرار ومعهم محمد حسنين هيكل أمام جثمان جمال عبدالناصر.
صحيح لم يشاهد أحد دموعه، لكن يمكن أن تتوقعها وهو يقول: إهئ إهئ.. هتوحشنا أوى يا جمال.
ثم مسح دمعة لم يرَها أحد وهو يلتفت لهيكل الذى قال له: مش وقت دموع.. مصر محتاجانا دلوقت. خرجوا جميعاً من الغرفة ولم يلتفتوا لرجل المخابرات الذى همس لرئيسه: كله تمام يا فندم. ألقى الرجل نظرة أخيرة على جمال عبدالناصر وهو يقول: خلى بالك من نفسك يا ريس!!
(2)
مصر 2013
أحد الشوارع
كان من الصعب أن يخترق رجل المخابرات زفة التكاتك التى راحت تتمايل على أنغام أوكا وأورتيجا: «علشان البط.. تراا رام ترااا رام.. يموت الوز»!! وكان من الممكن أن يتم تثبيته فى أى لحظة لولا العناية الإلهية التى أوصلته أخيراً لسرداب بان للوهلة الأولى أنه تابع لإدارة مجارى العاصمة، إلا أنه داس على نقطة بعينها فى الحائط ليتحرك ويبدو خلفه مصعد، وهو يهمس لنفسه: يا سلام.. ده ولا فيلم مافيا، وحين وصل للمكان الذى يريده أخرج حقنة، وفتح تابوتاً غريب الشكل يتمدد داخله جسد ضخم، قبل أن يحقنه بعقار غريب تلون معه الجسد من جديد وراح صاحبه يتمتم: آاااه.. مصر.. الوحدة العربية.. أنور يا ابن اللذينه!!!.. آاااه.. إنت فين يا حكيم، وحين فتح عينيه وجد أمامه رجل المخابرات وهو يؤدى له التحية قائلاً: حمد الله ع السلامة يا ريس.. حمد الله ع السلامة يا جمال!!!!
(3)
بصعوبة قفز جمال عبدالناصر على الطوب الذى وضعه البعض بسبب انفجار ماسورة المجارى، وخلفه رجل المخابرات الذى كان يلهث وهو يقول: ماكانش فيه قدامنا حل غير كده يا جمال. إحنا جمدناك عشان احتجناك للحظة تاريخية زى دى.. البلد باظت يا جمال.
قذف أحد العيال بطوبة وسط مياه المجارى فطرطشت على ملابسهم وصرخ عبدالناصر: ياض يا ابن الـ.. اعتقلوا ابن الـ....
أكمل الرجل: عملوا ثورة على حسنى بتاع كلية الطيران اللى إنت عينته قبل ما تتجمد، وشالوه، والقذافى اتقتل فى ليبيا والأمريكان ظبطوا أمورهم فى مصر و....
قاطعه عبدالناصر: وأم كلثوم.. طمنى على أم كلثوم.
قال له الرجل: دلوقت فيه سما المصرى يا فندم. ابتسم عبدالناصر وهو يقول: واضح إنها بنت معتزة بوطنيتها جداً.. والله وعرفت تربى الشعب يا جمال. ثم التفت للرجل وهو يقول: ومين دلوقت ماشى على نهجى؟ ومين معارض؟ ومين بيحكم أصلاً؟تنحنح الرجل وهو يقول بتحفز: حمدين صباحى يا فندم. نظر له جمال بدهشة: حمدين.. فكيتونى باتنين حمدى، وكمان صباحى.. إيه الأسماء الغريبة دى؟ ده إحنا كان أغرب اسم عندنا السباعى.
همس الرجل لنفسه: أمال لو قلت له البرادعى. نظر له جمال: بتقول حاجة؟ فرد: لا يا ريس ولا حاجة.
- يعنى ضحكوا عليا فى الآخر بفيلمين عنى ومحطة مترو ونسيوا الراجل اللى علمهم الكرامة. بس إنت ما قلتليش.. مين بقى بيحكم البلد دلوقت.
- أنا باقول حضرتك تريح لك يومين الأول عشان تستريح.
كرر جمال: مين بيحكم مصر دلوقت؟؟ مين زعيم الوطن العربى؟؟.. مين اللى شايل على كتافه حضارة 7000 سنة.
همس الرجل وصوته متحشرج: الـ... وان..
نظر له جمال بدهشة: النسوان إزاى يعنى؟
قال الرجل: الإخوااااااان.
توقف جمال عبدالناصر ثم صفعه على وجهه وهو يقول: الإخوان؟ نهار أبوكو إسود. أنا رجعتلكم يا بقر.
(4)
قصر الرئاسة
دخل السفير رفاعة الطهطاوى مكتب الرئيس مرسى الذى فرغ من صلاته للتو، وقال له فى احترام: تقبل الله يا ريس. رد مرسى: منا ومنكم يا رفاعة.. ما صليتش الضهر ليه؟؟ قال السفير: صليته يا فندم. قال مرسى: اوعى تكون ماصليتهوش يا رفاعة ما تخليش ربنا يغضب علينا. رد السفير: يا فندم صليته مع ياسر على وأحمد عبدالعاطى. غضب الرئيس: طب ماقلتوليش ليه يا أخى كنا صليناه جماعة بدل ما أنا صليت لوحدى كده. همس الطهطاوى: ما هو سيادتك صليته جماعة من شوية يا فندم فى المسجد و... قاطعه مرسى: وماله يا أخى.. نصلى تانى وتالت.. واحنا ضمنا الأولانية اتقبلت أصلاً والا لأ.. يالا روحوا حضروا السجادة نصليها سوا المرة دى.
قال الطهطاوى أيوه بس فيه تقرير خطير لازم حضرتك تشوفه و.....
قاطعه مرسى ثانية: لا خير فى عمل يلهى عن الصلاة يا طهطاوى.. يالا روح هاتلى ياسر وعبدالعاطى وشوف الحراسة صلوا والا لأ.. وشوف تقرير المخابرات عن الراجل صاحب الكشك اللى قدامنا لحسَن يكون بيصلى كده وكده و....
قاطعه الطهطاوى هذه المرة وهو يقول: يا فندم الوضع خطير.. التقرير ده لازم تبص عليه.
نظر مرسى للتقرير الذى حمل عبارة سرى للغاية وانتصف صفحته عنوان: عمليات التجميد الرئاسية، ثم قال للطهطاوى فى دهشة: تجميد إيه يا طهطاوى؟ مالى أنا ومال المطبخ؟ ما تجمدوا والا تجففوا والا حتى تخللوا.. مال الريس ومال التجميد..
تبدلت لهجة الطهطاوى إلى التوسل هذه المرة وهو يقول: أبوس إيد سعادتك اقراه الأول.
شعر مرسى لأول مرة بالقلق، فنظر على التقرير، وتصفحه سريعاً ووجهه يمتقع بشدة، قبل أن يقول: يا نهار مدوحس..
يعنى عبدالناصر متجمد وعايش، ومش بعيد السادات راخر هو ومحمد نجيب يكونوا متجمدين وعايشين، واحنا ما صدقنا خلصنا من مبارك.. دى مصيبة يا طهطاوى.. عارف دول لو صحيوا أول حاجة هيعملوها إيه؟
- إيه يا ريس؟
- هيطالبوا بمحطات المترو بتاعتهم طبعاً وتبقى سنة سوخة.
- أيوه بس...
- وتبقى مصيبة ليظهر أحمد عرابى وسعد زغلول ويطلعوا متجمدين راخرين ويطالبوا بمحطاتهم، وكده يبقى.. يبقى.. يبقى....
- يبقى إيه يا ريس؟
- كده يبقى خط حلوان المرج اتضرب يا طهطاوى.. أجيب منين أنا؟
كان ينوى أن يكمل كلامه لولا أن تحرك الحائط وراءه فجأة وفُتح باب سرى فيه، ليدلف منه جمال عبدالناصر الذى وجده مرسى أمامه فجأة فرفع يده وهو يقول: تحيا جمهورية مصر العربية.
جرى الطهطاوى مسرعاً للخارج، وهو يهتف: تحيا الجمهورية العربية المتحدة.. يا ياسر.. تحيا الجمهورية العربية المتحدة.. يا عبدالعااااطى..
وضع عبدالناصر يده على كتف مرسى المرتجف قائلاً: إزيك يا مرسى.. بلغنى إنك قلت «وما أدراك ما الستينات».. إنت كان عندك كام سنة وقتها يا ابنى؟
فرغ مرسى من قراءة كل ما يحفظه من قرآن وهو يقول: 15 سنة يا ريس.
ابتسم عبدالناصر: كنت لسه ما طلعتش بطاقة يعنى.. خلاص.. هفوتهالك المرة دى، ثم نظر فى عينه مباشرة وهو يقول: عملت إيه فى البلد يا مرسى؟
تراجع مرسى للخلف وهو يقول: عملت خير.. كل خير يا ريس.. ده أنا كنت مستلمها خرابة، وكانت مراجيح كلها بس ربنا ستر.
- بأمارة إن مصر قربت تشحت يا مرسى والا الإسلاميين اللى ماسكين البلد وبيخربوها والا الجماعة اللى بتعملوا خطة تمكينها؟
- يا ريس إنت هتقول كلام المعارضة إنت كمان؟
- ولا معارضة ولا أهلى وعشيرتى ولا حارة مزنوقة.. إنت بتحب بلدك والا لأ؟
- باحبها؟؟ دى لو كانت ست كنت اتجوزتها على سنة الله ورسوله.
- لا يا مرسى.. إنت هتطلقها، وتخدمها، وتاخد دورك فى الخدمة الوطنية وتتجمد لك كام سنة، ولو احتجناك هنصحيك كمان خمسين ستين سنة كده والا حاجة.. البلد دى محتاجانى دلوقت و....
فجأة تحرك جدار آخر ودلف منه السادات ممسكاً بغليونه الشهير وهو يقول: آآآ.. لحظة يا إخواننا... آآآ.. أنا أولى بالبلد دلوقت يا جمال.
قال عبدالناصر باستنكار: جمال؟؟؟
تراجع السادات: قصدى يا ريس.. أنا اللى حاربت إسرائيل ورجعت سيناء ولما زهقت من التنظيمات الإسلامية قلت آخد لى إجازة واتجمد لى كام سنة، وآدينى رجعت.
نقل مرسى بصره بينهما فى فزع وهو يقول: يعنى عايزين إيه دلوقت؟
قالا فى صوت واحد: تسيب البلد.
تمالك مرسى نفسه هذه المرة وهو يصرخ ويدبدب بقدمه فى الأرض مثل الأطفال: بس أنا رئيس منتخب.. أنا الشعب اختارنى إنما إنتو لأ.. أنا جيت بانتخابات حرة ونزيهة إنما إنتو لأ.. أنا ما سجنتش حد لغاية دلوقت ومدّى الناس براحها تعبر عن نفسها وتشتمنى شخصياً إنما إنتو لأ.. أنا عندى جماعة وعشيرة إنما إنتو لأ.
قاطعه السادات: كمّل كمّل.. قول إن فيه ناس اتقتلت على باب قصرك إنما إحنا لأ.. قول إن كلمتك مش من دماغك إنما إحنا لأ.. وإنك لازم تراجع المرشد وخيرت إنما إحنا لأ.. قول كمان يا ولد واخطب فينا بالمرة ما هو ده تمامك.
دب مرسى بقدمه على الأرض وهو يقول: أنا ماليش دعوة بالكلام ده.. أنا دخلت هنا ومش هاخرج إلا لما الشعب يخرجنى أو....
قاطعه عبدالناصر هذه المرة وهو يقول: أو تتجمد. إنت لازم تخش التلاجة يا مرسى.. عشان مصر ما تضيعش.
صرخ مرسى: مصر مش هتضيع.. مصر مش هتضيع مصر مش هتضيع.. مصر مش هتضيع.
نظر له الجميع بدهشة.. كانوا قد اعتادوا منه تكرار بعض الجمل لكن ليس لدرجة أربع مرات فى الدقيقة، قال له ياسر على: مش هتضيع إن شاء الله يا فندم.
نظر له مرسى بدهشة، ونظر لجميع مستشاريه ومساعديه المحيطين به وهو يبسمل ويحوقل، فقال له رفاعة الطهطاوى: فضيلة المرشد كلمنى النهارده وقال لى إن سعادتك محتاج تترقى.. عايزين نرقيك يا فندم رقية شرعية.. الباشمهندس خيرت جاى عشان كده النهارده إن شاء الله.
صرخ مرسى فيهم جميعاً فجأة: أنا مش عايز حد يرقينى.. أنا عايزكم تشتغلوا عشان ما نخليش حد يشمت فينا.. البلد دى مش هتضيع..
التفت لرجل غامض يجلس بجواره وهو يقول: إيه آخر أخبار أبحاث التجميد؟
قال له الرجل: بخير يا فندم.. شغالين عليها كويس.
لمعت عين مرسى وهو يقول: شوفوا إيه إمكانية إننا نجمد 90 مليون مرة واحدة ونحطهم فى التلاجة.
رفع الرجل يده مؤدياً التحية: تمام يا فندم.. وهنسمى العملية دى «مصر فى التلاجة».
ابتسم مرسى مطمئناً..
وقام ليصلى الظهر.