وزير التموين

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

تراجُع وزير التموين د. خالد حنفى عن قراره بالمواجهة وتقديمه استقالته قبل بدء مناقشة استجوابات «الفساد فى صوامع القمح» يسجل نصراً ثانياً للبرلمان فى مواجهة الحكومة مع قرب نهاية الدورة البرلمانية بعد نجاح النواب فى إسقاط قانون الخدمة المدنية فى بداية الدورة.

كنت أفضّل تأخر استقالة الوزير لحين المواجهة مع تقرير البرلمان والذى لن تمنع الاستقالة مناقشته، ولكن للأسف ستكون بدون أخذ ورد لغياب الطرف الثانى، وكنت أتمنى على النواب عدم التعجل فى طلب الاستقالة حتى يحال الأمر إلى النيابة العامة لتبيان حقيقة الاتهام للوزير إذا ما كان سياسياً أم جنائياً، رغم أن الاستقالة لن تمنع إحالة الملف بالطبع إلى النائب العام.

للوزير مسارات نجاح حقيقية، واجه أزمات تمكن من تنفيذ سياسات إيجابية فى مواجهتها ذهبت بالمجتمع كله إلى بر الأمان، كما له تحركات جيدة لمواجهة جشع كبار التجار ورفع الأسعار بالتوسع فى برنامج «جمعيتى» لزيادة عدد منافذ توزيع السلع وإشراك الجمعيات الأهلية فى ذلك، وتوفير فرص عمل للشباب، وأتمنى ألا تتسبب الأوضاع الحالية فى الإساءة لنجاحات تحققت ومطلوب تواصلها.

لكن أيضاً للوزير سلبيات جوهرية، صحيح لا أستطيع اتهامه بالفساد طالما لم تنته تحقيقات النيابة، ولكن الواضح أن هناك ثغرات ومنافذ كثيرة فى الوزارة تمكن الفساد من عبورها للتربح المهول على حساب المجتمع.

ما حصل حتى الآن، وما أعلن من جوانب فى تقرير تقصى الحقائق، وما تردد عن تقارير الجهات الرقابية، يؤكد لنا أن مواجهة ملف الفساد فى مصر لا تقل فى وعورتها عن مواجهة ملف الإرهاب، وأن قضية الفساد لا تقف عند حدود تشريع يصدر هنا أو لجنة تتشكل هناك.

البادى أن الفساد تمكن من تشكيل شبكات عنكبوتية داخل مؤسسات الدولة، وأصبح قادراً على تحقيق نجاحات وانتصارات حتى فى ظل ابتعاده عن المسئول الأول بالوزارة، وأعتقد أن التحقيقات فى قضية القمح ستكشف عن الكثير من المفاجآت فى تطور أداء عصابات الفساد وقدراتهم الإدارية.

رغم الفارق فى الحالتين فإننى لا أستطيع استبعاد قضية تسريب الامتحانات (شاومينج بيغشش) من ذاكرتى، فالحالتان تعكسان نشاط الفاسدين وانتشارهم فى شبكات جهنمية داخل مؤسسات الدولة، وقدرتهم على التحدى والاستمرار والنجاح أيضاً رغم كل ما يمكن تبنيه من تدابير وإجراءات.

المؤكد أن ظواهر كثيرة فى حياتنا اليومية تكشف عن تفشى الفساد بين ثنايا المجتمع وفى ثقافته العامة، الوساطة فساد، الإكرامية فساد، الخدمات الخاصة فساد، المحسوبية فساد، عشرات الممارسات اليومية التى نعيشها فساد فى فساد.

لقد أثبتت الأجهزة الرقابية وجوداً قوياً مؤثراً فى الآونة الأخيرة بعشرات القضايا التى تمكنت من ضبطها، وها هو مجلس النواب يثبت أيضاً قدرته على مواجهة الفساد ومراقبة الأداء الحكومى بكفاءة، لكن كل ذلك لن يكفى فيما يبدو فى الحرب المطلوبة على الفساد. نحتاج إلى رؤية مختلفة، كما يقولون رؤية من خارج الصندوق، تتكاتف فيها الإرادة الرسمية مع الإرادة الشعبية، لا تتشتت فيها الجهود وإنما تتكامل، رؤية تقوم على تشريع جديد وآليات مستقلة لمكافحة الفساد والتقدم المذهل لشبكات الفساد والانتشار الواسع لثقافة الفساد بيننا، تشريع جديد يحقق التنسيق والتوافق بين الجهات المختلفة، ويضمن وجود أدوات أكثر عملية وقدرة داخل مؤسسات الدولة الرسمية.

على فكرة الفساد مش بس فى مؤسسات الدولة، إنما كمان فى القطاع الخاص.. ولا إيه؟