حاصل على جائزة الدولة فى «المصالحة العرفية» لـ«الوطن»: الدولة غائبة عن القرى.. و«بيت العائلة» سرق ثقافة عمرها 7 آلاف سنة
الكاتب فتحى عبدالسميع
عمله بنيابة محافظة قنا، وضعه فى موقع دائم الاحتكاك بالخصومات وأزمات العنف، وما يخلف عنها من مصالحات عرفية، وموهبته كشاعر دفعته للبحث عن تلك المصالحات وتاريخها، ولكنه لم يجد طوال تاريخ الصعيد ما يتناول الظاهرة سوى كتاب واحد منذ 60 عاماً، وهو ما دفع الكاتب فتحى عبدالسميع ليتعمق فى البحث عن تلك الجلسات، ليخرج بكتاب «القربان البديل»، الذى حصل من خلاله على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية، والذى يتناول ظاهرة المصالحات العرفية. ووفد أجرت «الوطن» معه هذا الحوار حول تفاصيل تلك الظاهرة.
■ إلى أى شكل من أشكال العنف ظهرت المصالحات العرفية.. الثأرية أم الطائفية؟
- هى ظهرت فى البداية للثأرية ولكن سرعان ما انتقلت لحل كافة أشكال العنف، التى تسعى المجتمعات لحلها، فكل المجتمعات تحاول أن تكبح مظاهر العنف.
فتحى عبدالسميع: نعيش فى دولة نصف مدنية ونصف قبلية.. ومنظومة القوانين ضعيفة
■ ومتى بدأ ظهور تلك المصالحات؟
- من واقع دراستى تمتد تلك المصالحات من مصر القديمة، منذ نشأة المجتمع المصرى ظهرت تلك الطريقة لحل مشاكل العنف، ومع ظهور الدولة بدأ تحول الأعراف إلى قوانين، هناك بعض الدول سعت للقضاء تماماً على الأعراف واستبدالها بمنظومة القانون والدستور، وهناك بعض الدولة كمصر لم تنجح فيه بشكل كامل منظومة القوانين فى إثبات وجودها، خاصة فى الصعيد.
■ لماذا يقبل المواطنون على حل أزماتهم بالجلسات العرفية بدلاً من القضاء الرسمى؟
- القضاء العرفى أكثر جدوى للناس، القضاء الرسمى يتسم ببطء فى التعامل، وقضايا العنف من القضايا الخطيرة التى لا ينفع فيها البطء، ومنظومة القضاء الرسمى كلها مرتبطة بثقافة منظومة القوانين، والدولة المدنية الحديثة، ولكن الصعيد ما زال مرتبطاً بالنظام القبلى، سواء لدى المسلمين أو لدى المسيحيين، فالثقافة القبلية الأكثر حضوراً، والأكثر فاعلية، وتحل الكثير من المشاكل.
■ وعلام يقوم ما تسميه بفن المصالحات؟
- تتكون لجنة المصالحة من قاضى دم ومجموعة من الأجاويد، وهم شخصيات لها سمعة طيبة فى المكان محل الأزمة، ويكون الفن فى كيفية إقناع المعتدى عليه بالموافقة على الصلح، وهنا يكون ليس صلحاً مع المعتدى فقط ولكن مع المجتمع بأكمله، لأنه مع مرور الزمن سيرث المعتدى عليه سمعة أنه قُتل له شخص دون أن يأخذ حقه، وتتجدد المسألة، فدور قضاة الدم والأجاويد هو إقناع المجتمع نفسه بالمصالحة، وفن أيضاً فى التعامل مع جميع أفراد العائلة المعتدى عليها، فمنهم المتشدد ومنهم المعارض ومنهم الطيب، ولكل منهم مدخل معين، ونوع معين من الحوار، لكى يقبل فكرة المصالحة ويرضى بها على النحو الذى لا يمس كرامته، وتلك المسألة تأخذ فى الغالب شهوراً.
ثورة الأقباط على «المصالحات العرفية» نوع من الاحتجاج.. ومحاولة لتحقيق مطالب معينة.. ورعاية الدولة لجلسات الصلح اعتراف بالفشل والتقصير.. وأدوات الدولة أعجز من مواجهة العنف بالصعيد
■ لماذا نجحت الجلسات العرفية فى حل المشاكل الثأرية فيما ظهرت بشكل سيئ فى الآونة الأخيرة فى حل المشاكل الطائفية؟
- جلسات الصلح العرفية نجحت بشكل كبير فى كبح العنف فى المجتمعات، فى ظل غياب الدولة عن القرى.القرى فى الصعيد تحل مشاكلها بنفسها بعيداً عن منظومة القوانين ومنظومة القضاء من الأساس، وعلى سبيل المثال فى محافظة قنا ظل من يمثلها فى مجلس الشعب مسيحياً، وهو بنى كل مجده على الأصوات التى يأخذها من قنا، وهذا يظهر أن الثقافة القبلية ليست ضد التسامح، ولكن للأسف ثقافة التسامح تشهد انتكاسة كبيرة فى الصعيد، من قبل السبعينات كانت هناك فرصة كبيرة لأعضاء مجلس الشعب المسيحيين فى الصعيد ولكنها قلت كثيراً، حتى اضمحلت، وهو ما يعطى إشعار أننا أمام ثقافة تسامح تتآكل، وأن تعاظم دور الدولة ووجودها فى الصعيد قلل من ثقافة التسامح، وكلما زاد التعصب، زادت الحدة بين المسلم والمسيحى، فى ظل تصرفات خاطئة من قبل الدولة، وهو ما أدى إلى ضعف دور المصالحات العرفية وسوء سمعتها بين الناس.
■ وما رأيك فى ثورة الأقباط على المصالحات العرفية؟
- هى نوع من الاحتجاج على ممارسات الدولة وسلوكها، ومحاولة لتحقيق مطالب معينة، وتمرد على وضع مختل، بجانب أن المصالحات العرفية تتعرض لأزمة لأنها نشأت وترعرعت فى مجتمع واضح القبلية وكان هناك تناغم، ولكن هناك مبادئ كثيرة من القبلية سقطت وسقطت معها الكثير من عناصر القوة الموجودة لديها، فعلى سبيل المثال سقطت فكرة الكبير واحترامه وهو ما أفقد المصالحات فكرة التنفيذ بتجليل الكبير واحترامه، الذى كان أساس ثقل تنفيذ أحكام المصالحات، لذلك بعض الشباب الذى يمقت ولا يقدس الكبير لا ينفذ أحكام تلك المصالحات وهو ما أضعف تلك المصالحات يوماً بعد يوم.
■ لماذا ترعى الدولة الحلول العرفية من خلال تلك الجلسات؟
- هناك خلل، ورعاية الدولة لتلك الجلسات اعتراف من الدولة بأن أجهزتها ومؤسساتها فشلت فى القضاء على ظاهرة مشكلة العنف، واعتراف بالتقصير، وأن أدواتها أقل كفاءة، وبنية الدولة أعجز عن أن تواجه تلك المشاكل، ولو هناك دولة حقيقية لن توجد المصالحات العرفية، إلى جانب أن تدخل الدولة ورعايتها لجلسات الصلح العرفية أفسدها، فكل الجلسات التى تشهد تدخل الدولة يكون لها شكل سلبى وليس إيجابياً، أما جلسات الصلح العرفية التى تتم بعيداً عن الدولة تسير بشكل سليم ولا تشهد أى توابع بعدها، والدولة تدعم بشكل أكبر استمرار النظام القبلى.
■ وكيف ترى ظهور «بيت العائلة» القائم على حل المشاكل بالعرف والمصالحات العرفية؟
- ظهور ما يسمى ببيت العائلة هو سرقة لمنظومة مصالحات عرفية عمرها 7 آلاف سنة، وهى تستسهل ذلك العمل العرفى، وتتحرك بعد تفاقم الأزمات، ولكن المصالحات العرفية فن يحتاح لمجهود وشهور وناس مخلصين، ولكن أن يأتى بيت العائلة بعد مجهود ضخم من جلسات المصالحة العرفية لتجميل الموقف هو استيلاء على ثقافة المكان ولا يطورها ولا يعمقها ولكن يعطيها نوعاً من الشرعية وهو مؤشر جديد على عجز الدولة عن مواجهة العنف فى الصعيد.