«مصر بلا إخوان».. المشروع الغائب

محمود مسلم

محمود مسلم

كاتب صحفي

لا أعتقد أن الحكومة الحالية تملك رؤية متكاملة لإنهاء ظاهرة جماعة الإخوان الإرهابية الخائنة.. بعد 3 سنوات من ثورة يونيو التى كان مطلبها الأول الإطاحة بهذه الجماعة من الحياة السياسية قد يكون لدى بعض قادة النظام إرادة لتفكيك هذه الجماعة، لكن المؤكد أن هناك تبايناً فى النظام حول هذا الموقف، فالأغلبية غير مهتمين وأحياناً غير مدركين لخطورة هذا التنظيم، بدليل أن أحد الوزراء الحاليين أشاد بهم فى برنامج تليفزيونى، ونفى أن يكون هناك أطباء إخوان رفضوا معالجة مرضى، رغم الوقائع الكثيرة، كما أننى شخصياً صُدمت فى أحد وزراء الحكومة كان مصاحباً للرئيس السيسى فى ألمانيا عندما شاهد تجاوزاتهم وقلة أدبهم قائلاً: «لم أكن أعرف أن الإخوان بهذا السوء».

لقد مارست جماعة الإخوان جزءًا من هذه الأفعال «العمالة بالخارج والعنف والإرهاب وتدمير الديمقراطية» التى تمارسها حالياً من قبل فى الخمسينات والستينات وقضى الزعيم جمال عبدالناصر على مشروعهم لكن الجماعة استطاعت بقوة العودة مرة أخرى والضحك على الشعب وتقديم نفسها كبديل للنظام بوجه ديمقراطى، مستغلة الجهل والفقر والدين والنحانيح، واستطاعت تقوية علاقتها مع الخارج «قطر - تركيا - أمريكا - أوروبا»، بالإضافة للدول الأعضاء فى التنظيم الدولى للإخوان ثم استولت على حكم مصر، فما الضامن أن تعود مرة أخرى بعد عشرات السنين لتقدم مظلومية جديدة ضد الرئيس السيسى كما فعلوا مع عبدالناصر من قبل، خاصة أنهم أصبحوا أقوى من الخمسينات والستينات بفضل زيادة مواردهم المالية وعلاقاتهم الدولية المتشعبة وخبرتهم فى إدارة الدولة لمدة عام واختراقهم لدواوين الحكومة.

يجب أن يعلم الجميع أنه لا مستقبل لمصر فى ظل وجود تنظيم دينى دولى ينتهج العنف، وبالتالى يجب أن تكون الأولوية فى الدولة لمناهضة هذا التنظيم الذى يزداد مع الأيام شراسة وشراكة مع الأعداء، سواء الدول الأجنبية أو الجماعات المتطرفة، ويقدم نفسه كأداة جاهزة لهدم الدولة، خاصة فى ظل تراخى بعض النخبة الذين قدموا للجماعة خدمات جليلة عندما كانوا يسوّقون أنها جماعة سياسية وأن الأنظمة تستخدمهم كفزاعة لعدم تطبيق الديمقراطية، ثم جاءت التجربة لتثبت أن الجماعة كانت وما زالت أحط نظام تولى حكم مصر ومارسوا كل أنواع الخيانة والفساد والديكتاتورية والإرهاب تحت غطاء مدنى من نخبة جاهلة و«نحانيح» أصحاب توجهات خارجية.. وللعلم فإن الإخوان استغلوا الجميع سواء المتعلمين أو الجهلاء، وهنا يجب العودة إلى مقال د.محمد حبيب الذى نُشر فى «الوطن» خلال الأسابيع الماضية، حيث كتب «فى نهاية الثمانينات نشط خيرت الشاطر مع حسن مالك فى النشاط التجارى واستطاعا أن يكونا ثروة لا بأس بها من خلال معارض السلع المعمرة فى النقابات ونوادى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية».

هذا يدل على أن النقابات ونوادى أعضاء هيئة التدريس معقل المتعلمين والطبقة المتوسطة كانوا الباب الرئيسى لنفوذ الإخوان واقتصادهم ثم استغلوا الأموال بعد ذلك للضحك على الفقراء.

لا أرى مشروعاً متكاملاً لمناهضة الإخوان.. وحتى جرائمهم تناست الحكومة توثيقها.. هناك جهد من الداخلية والأجهزة الأمنية، ودور رائع من الشعب، وقلة فى الإعلام ما زالت منتبهة لخطورة هذه الجماعة التى إذا عادت ستقضى على الأخضر واليابس.. لكن الباقى نيام، فالخلافات بين الأوقاف والأزهر ملء السمع والبصر.. والحكومة مكتظة بالعناصر الإخوانية دون رؤية واضحة بينما يستغلها البعض شماعة لتبرير الأخطاء فقط.. والثقافة فى واد آخر والإعلام والدراما أولوياتهم مختلفة.. واختزلت المقاومة فى الجهد الفردى فقط لا غير.

لو كانت هناك خطة واضحة لمواجهة الإخوان بعد ثورة 30 يونيو لانتهى الإخوان للأبد فى ظل ظهير شعبى واعٍ ومتربص يفتقده معظم أعضاء الحكومة، فالأولويات غير واضحة وكان يجب أن تكون مناهضة الإخوان أولوية أولى للدولة، والفرصة مواتية، لا الكلام الخائب عن المصالحة والاحتواء لأن هذه الجماعة ثغرة فى جسد الوطن وعائق أساسى أمام أى تقدم تنموى أو ديمقراطى بل وأداة لأى احتلال أجنبى، وبالتالى يجب أن تفيق الدولة من غفلتها، فالشعب ما زال قلقاً على المستقبل وحتى الآن لم يظهر مشروع فكرى مناهض وتم الاكتفاء بالمواجهة الأمنية ولا يوجد مشروع حزبى بديل.. والناس تنسى بمرور الوقت والجماعة ماهرة فى تغييب العقول.. وبالتالى يجب أن تكون المواجهة معلنة وقوية ومحددة بالزمن حتى نحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو العظيمة العام المقبل أو الذى بعده تحت شعار «مصر بلا إخوان»!!