يتميز كل عصر بسمة اقتصادية يتذكرها الناس بعد مروره. فمثلاً سمة الستينات كانت «الانفتاح» وسمة التسعينات كانت «الخصخصة»، وبعد مرور عامين على الثورة أعتقد أن السمة التى غلبت على الاقتصاد وستظل غالبة هى «ارتفاع الأسعار»، أو ما يعرف بظاهرة «التضخم».
ولكن ما «التضخم»؟
التضخم هو ارتفاع عام فى متوسط أسعار السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة، ويقاس كنسبة تدل على ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة مقارنة بالفترة السابقة، ويتم قياس التضخم عن طريق قياس متوسط الأسعار لسلة محددة من السلع والخدمات، وتتضمن هذه السلة متوسط أسعار الغذاء والمواصلات والسكن والتعليم إلى ما غيرها، مع العلم أن الغذاء والسكن يمثلان ما يزيد على نصف هذه السلة فى مصر.
ولماذا يكون «التضخم» هو سمة هذا العصر؟
على الرغم من تعقد الوضع الاقتصادى، فإن المواطن البسيط لا يأبه بعجز الموازنة والاحتياطى النقدى وما غيرهما، ولكن يصب اهتمامه على حياته اليومية وما يؤثر فيها، فيفزعه قرار سائقى الميكروباص برفع الأجرة أكثر مما يفزعه هبوط الاحتياطى بمليار دولار، خاصة إن كان ارتفاع الأسعار متكرر وبزيادات كبيرة، وهذا أيضاً حال الميسورين مادياً الذين يواجهون ظاهرة ارتفاع المأكل والملبس ومصاريف المدارس وخدمات الترفيه. ببساطة، التضخم ظاهرة سيئة لأنها تعنى إفقاراً لقدرة الفرد على شراء السلع والخدمات.
إذن، ما أهم أسباب التضخم الحالى؟
هناك أسباب متعددة لكن يمكن الإشارة إلى أربعة أسباب رئيسية:
أولاً: عدم الانتظام من جانب المعروض من السلع والخدمات مقابل الطلب فى السوق، فمثلاً الاضطراب المتكرر فى المواصلات العامة فتح الباب أمام سائقى الأجرة لرفع الأسعار، وكذلك هذا هو الحال فى كثير من المنتجات المستوردة التى يتأخر استيرادها لأسباب لوجيستية مما يؤثر على ارتفاع الأسعار.
ثانياً: زيادة تكلفة الإنتاج بشكل عام ولعل من أهم أسبابها زيادة أسعار الطاقة على الكثير من المنشآت، والتى قد تم تطبيقها على البعض بالفعل والبعض الآخر قد أخذها فى الاعتبار فى تسعيره استباقاً.
ثالثاً: فرض عدة أنواع من الضرائب والدمغات على المنشآت الاقتصادية والتى رفعت من تكلفة الإنتاج وبالتالى زادت من أسعار المنتج النهائى.
رابعاً: ارتفاع الدولار أمام الجنيه، فمصر تستورد الكثير من السلع الأساسية، كما تستورد الكثير من المواد الخام، فارتفاع الدولار أمام الجنيه يعنى بالتالى ارتفاعاً مماثلاً فى سعر الكثير من السلع والخدمات المستوردة أو التى يدخل فيها مواد مستوردة.
هذه الأسباب الأربعة مع غيرها ساهمت فى ارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من أن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية تشير إلى نسبة تضخم 10% كمتوسط للعامين السابقين، فإن كثيراً من مراكز الأبحاث تشير إلى تضخم يزيد متوسطه على 20% كواقع حقيقى.
ولكن ما الحل؟
للأسف «التضخم» فى مصر لا مفر منه، بدأ بالفعل ومتوقع أن يستمر على متوسطات مرتفعة بسبب استمرار ارتفاع الدولار أمام الجنيه، وكذلك إعادة هيكلة الدعم فى الفترة القادمة.
ولكن يمكن التقليل من حدة هذه الظاهرة، ويستلزم ذلك أن تقوم الحكومة بفرض رقابة صارمة على الأسعار، والعمل على توفير السلع الرئيسية فى الأسواق لمنع ظهور السوق السوداء، وكذلك العمل على تثبيت سعر صرف الدولار فى القريب العاجل، والأهم من ذلك إعادة النظر فى قضية الضرائب على المبيعات وتحويلها لضرائب على الدخل لمنع زيادة تكلفة الإنتاج.
وفى الختام، نحن نعيش فى أزهى عصور «التضخم»، الذى أصبح واقعاً نعيشه وهو ما يشعر به كل مواطن أكثر من المؤشرات الاقتصادية الكلية، وعلى الرغم من الأثر السيئ لهذه الظاهرة فإن الحكومة تستطيع العمل على السيطرة على هذه الظاهرة والحد من آثارها السلبية.