أومن بحكمة بليغة للكاتب الشهير «ستيفن كوفى» سقراط أمريكا تقول: لا معنى للانشغال بصعود السلم إذا كان سلمك يرتكز على الجدار الخطأ!! تذكرت تلك المقولة البليغة حينما كنت أتابع بيان الحكومة فى البرلمان، وأستمع لكلمات المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء وهو يحلق عالياً فى سماء المشروعات الكبرى والاستثمارات الضخمة، مبشراً المواطن بقرارات صعبة تزيد الواقع العسير الذى يعيشه عسراً، وتضاعف المعاناة اليومية الشاقة المتزايدة يوماً تلو الآخر، متجاهلاً حقيقة أوطاد الهموم والمشاكل التى يواجهها «ويصبّح عليها» مع إطلالة شمس كل يوم جديد!!
ظنى أن الحكومة تضع السلم على الجدار الخطأ وتريدنا أن ننشغل معها بالصعود، تماماً مثلما فعلت الحكومات السابقة التى اعتادت مواجهة الأزمات والمشاكل بنفس الأدوات والآليات، وبدلاً من البحث عن علاج ناجع للأمراض المستعصية التى تنهش قلب الوطن، تكتفى بإجراء عمليات تجميل ظاهرية لإخفاء التشوهات والترهلات، يسدد فاتورتها المواطن البسيط، وتضع حلولاً تسكينية تقاوم بها العرض وليس المرض!
يا سيادة رئيس الحكومة.. نحن لا نريد شعارات رنانة وكلمات طنانة، ولا نريد أن نكون حكاماً آمرين ناهين، ولا ننتظر منكم مشروعات وافتتاحات نحلق بها فى سماء الوهم والحلم والأمل، وإنما نريد قوانين وضوابط حكومية تتصدى لشراهة الكبار وتوحش الرأسمالية، وتحقق العدالة الاجتماعية المبنية على التكامل والتوازن والتوزيع العادل للثروة، نريد رقابة من الدولة على الأسواق والأسعار، وفرض هامش ربح يردع جشع التجار والمضاربين، نريد رؤى وخططاً إصلاحية عادلة للنظام الضريبى تخفف الأعباء عن كاهل الفقراء والموظفين الغلابة، وتفرض نسباً تصاعدية أكبر على الأغنياء وأصحاب الدخول الضخمة، مثلما تفعل كل الدول الديمقراطية فى العالم، فلم يحدث أن أعاقت الضرائب استثماراً فى أى دولة أو أثّرت على قرارات مستثمر!!
نريد ضرائب على أرباح المضاربات والاستثمارات والمتاجرات، ووقف نزيف الاقتصاد، فلا يُعقل لدولة تعانى عجزاً ضخماً فى موازناتها بهذه الصورة، أن ترضخ لأصحاب المصالح، والمتحكمين فى صغار المضاربين!! ولا يمكن لحكومة راشدة تعانى خللاً فى ميزان المدفوعات أن تسمح بفاتورة استيراد لسلع ترفيهية تصل إلى 15 مليار دولار سنوياً، فى ظل أزمة الدولار الحادة وما يستتبعها من تأثيرات سلبية على الأسواق والصناعات!! كما لم يحدث لدولة تتخبطها الأنواء والأمواج أن تفتح أبوابها على مصراعيها أمام الاستيراد، وتقف عاجزة عن حماية صناعاتها الوطنية!!
يا سيدى.. إننا نريد قرارات وإجراءات صارمة تقوض الفساد، وتقضى على التسيب والمحسوبية، وتعلى من سيادة القانون، وتقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه استغلال نفوذه وموقعه فى إهدار المال العام، وضخ أموال الشركات والمؤسسات الخاسرة فى جيوب المحظوظين والمستشارين، والإغداق على المجالس واللجان الرقابية من منطلق أطعم الفم تستحى العين!!
نريد منظومة بناء وتنمية متكاملة، وسياسات غير تقليدية للإصلاح والتطوير الشامل، تستهدف البشر قبل الحجر، ورؤى غير نمطية لتغيير المفاهيم والسلوكيات التى استشرت وترسخت فى أعماق الشخصية المصرية على مدى عقود طويلة، وأفسدت ملامحها وجرفت سماتها، وحولتها من شخصية منجزة فاعلة إلى شخصية مستهلكة معطلة، نريد تصورات عملية لتغيير قناعات وأفكار الشباب، واستحضار قيم احترام العمل وإتقانه، والتصدى لسيطرة مفاهيم «الفهلوة» والكسب السريع!!
إننا نطالب حكومتك بتمهيد الأرض وإصلاحها، وتعبيد الطرقات وتنظيفها قبل البناء والتشييد، لأن البناء فوق الأطلال والأراضى الخربة غير الممهدة مصيره الانهيار والهلاك، نطالب وزراء حكومتك ببناء شخصية مصرية قادرة على النهوض بعد التعثر، وخلق جيل قادر على صناعة المستقبل وتشييد دولة حديثة، دولة لا يهزمها تطرف أو جهل ولا يهدمها إرهاب.
إن أخشى ما أخشاه أن يتملك اليأس منا، فلا يبدو أن التغيير يفعل فعله مهما تطورت الأزمنة واختلفت الأسماء وتبدلت الشخصيات!!