السماسرة يسيطرون على تجارة الدم فى الإسكندرية
معامل «بنك الدم» تصر على إحضار متبرع مقابل الحصول على أكياس دم للمرضى
شراء الممنوعات أسهل كثيراً من شراء كيس دم فى الإسكندرية.. فبينما ينتظر المريض «كيس دم» فى غرفة العمليات، «يدوخ» أفراد أسرته على المستشفيات، بحثاً عن أمل فى إنقاذه، ما يصطدم عادة بتعنت من جانب «بنوك الدم»، التى يصر مسئولوها على إحضار متبرع مقابل الحصول على الكمية المطلوبة، وعندها لا تجد أسرة المريض أمامها سوى اللجوء إلى السوق السوداء التى يتحكم فيها سماسرة الدم، ومعظمهم من أطقم التمريض.
سعر «الكيس» يصل إلى 200 جنيهاً.. و«الجندى»: نواجه أزمة فى نقص أعداد المتبرعين.. و«أبوالعز»: يجب وضع نظام للتبرع
وأمام بنك الدم المركزى فى منطقة كوم الدكة، رصدت «الوطن» عدداً من السماسرة الذين يبيعون كيس الدم الواحد بـ200 جنيه، وهو مبلغ تضطر أسرة أى مريض إلى دفعه بعد أن تيأس من الحصول على احتياجاتها عبر الطريق الشرعى، فما إن يخرج المتبرع من البنك حتى يجد من يطرح عليه سؤال: «تبيع الإيصال اللى معاك؟»، أما إذا كان يحتاج إلى كيس دم، فيطرح عليه سؤالاً آخر هو: «محتاج كيس دم؟».
ويبلغ سعر كيس الدم فى السوق السوداء، بالرغم من تضيق الخناق على ما يسمى «مافيا أكياس الدم»، بعد إلغاء الشيكات، إلى 200 جنيه للكيس الواحد. «أبى كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لولا ستر الله»، هكذا وصف حاتم العربى، حالة والده الذى أصيب بجلطة دماغية حادة، وتقرر إجراء عملية جراحية عاجلة له، إلا أن نقص الدم عطل العملية. وقال: «ذهبت إلى بنك الدم فى منطقة كوم الدكة بالإسكندرية، وعرضت دفع أى مبلغ مقابل الحصول على أكياس الدم والبلازما المطلوبة، إلا أنهم اشترطوا إحضار أشخاص للتبرع مقابل الحصول على نفس الكمية»، مضيفاً: «الوقت كان متأخراً ولم أجد متبرعاً، فوجدت ممرضاً فى بنك الدم عرّف نفسه لى باعتباره سمساراً لأكياس الدم، ووفّر لى احتياجاتى مقابل مبلغ مالى باهظ، وأنقذنا أبى فى آخر لحظة».
ولم يكن حاتم العربى هو الوحيد الذى يتعرض لهذا الموقف، فقد أكد حسام بشر، أحد ذوى المرضى، أن «منظومة الدم فى مصر يتحكم فيها مجموعة من الفاسدين، فالحصول على أكياس الدم والبلازما فى اللحظات الحرجة يتطلب دفع أموال طائلة لمافيا تجارة الدم».
وأشار: «كنا نحتاج يومياً وعلى مدار شهر كامل إلى أكياس دم وبلازما لوالدى، فاكتشفنا أن المهمة مستحيلة إذا ما كان الطلب من المستشفيات وبنوك الدم، فنضطر إلى اللجوء إلى بعض السماسرة الذين ندفع لهم مبالغ باهظة، أو انتظار متبرع، وقد يستغرق ذلك يومين أو أكثر، مما قد يسفر عنه موت المريض أو تدهور حالته على الأقل»، مضيفاً: «إدارات بنوك الدم والمستشفيات لا تشعر بحالة المرضى، كأنهم يتاجرون فى المريض من أجل لقمة العيش».
مصطفى فودة، أحد المتضررين من أزمة نقص أكياس الدم، قال: «الحصول على ممنوعات أسهل كثيراً من الحصول على أكياس دم، فبعض العاملين فى المستشفيات يقفون أمام بنك الدم، ويعرضون أكياس دم للبيع بأسعار باهظة، مستغلين حاجة أهالى ومعارف المرضى». مشيراً إلى أنه اضطر للجوء إليهم بعد تعرض شقيقه لحادث طريق. أما الدكتور مصطفى أبوالعز، عضو مجلس إدارة جمعية «إنقاذ» الطبية، فقال إن «هناك دولاً كثيرة تعرف جيداً قيمة نقطة الدم فى إنقاذ حياة إنسان، ولذلك فقد طبقت نظاماً يسمح للأشخاص بالتبرع بالدم بصورة دورية أو متقطعة كل فترة، على أن يتم إدراج تبرعاتهم فى رصيد بأسمائهم، حتى يتسنى لهم الاستفادة منه فى أى وقت». ومن جانبها، أكدت الدكتورة نشوى الجندى، رئيس قسم رعاية المتبرع بالمركز الإقليمى لنقل الدم بالإسكندرية، وجود أزمة نقص حقيقية فى أكياس الدم، موضحة أن السبب يعود إلى انخفاض أعداد المتبرعين. وقالت إن «نسبة أكياس الدم المطلوبة يومياً من البنك تقريباً 200 كيس، فى مقابل تبرع ما بين 150 إلى 160 شخصاً يومياً».
وأضافت أن «من ضمن أسباب وجود أزمة فى أكياس الدم، هو انتشار مافيا تتاجر فيها تم كشفها، وعلى أثر ذلك ألغيت خاصية إصدار شيكات الدم التى مهدت الطريق لما يسمى بالسوق السوداء»، مشيرة إلى أن «الكيس الواحد يكلف الدولة 400 جنيه بعد إجراء التحاليل وعمليات الفصل، وسعره للجمهور 130 جنيهاً، ويباع فى السوق السوداء بأضعاف ذلك الرقم».